شبكه ميت عدلان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


شبكه ميت عدلان ( منتدي اسلامي &ثقافي & برامج كمبيوتر وجوال & سياحه & الرأي وارأي الاخر)
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 ذلك الوجه تلك المرأة ( وهيب سراي الدين )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ساره




عدد الرسائل : 167
تاريخ التسجيل : 05/05/2008

ذلك الوجه تلك المرأة ( وهيب سراي الدين ) Empty
مُساهمةموضوع: ذلك الوجه تلك المرأة ( وهيب سراي الدين )   ذلك الوجه تلك المرأة ( وهيب سراي الدين ) Icon_minitime1الإثنين يوليو 28, 2008 7:16 pm

ذلك الوجه... تلك المرأة







على الرغم من أنني تجاوزت الثلاثين. أي تجاوزت مرحلة المراهقة الصعبة، الشاقة. تراني قد عدت إليها. عدت بدفقها، ونبضها، وروح شبابها، فلم أتمكن من أن أمنع نفسي، عن رؤية ذلك الوجه؛ منذ أن بزغ علي أول مرة. إذ رحت ألازمه، في كل صباح جديد. وجه يختصر كل وجوه النساء!

أذكر أنني امتنعت عن التدخين، بكل إرادة وصلابة بعد عشرة عشر سنوات، مع سجائره المعطرة. إلا أن أمتنع عن مشاهدة هذا الوجه البهي، فلم أستطع.

اعتاد أن يطل علي من تلك النافذة –آ..ه! ليتها كانت نافذة- من تلك الشاشة الصغيرة. في كل صباح. يا إلهي! أهو وجه آت من علياء السماء؟ أم وجه حورية، من أعماق البحر؟ من تكون هذه الأنثى الباهرة الساحرة، صاحبته، التي علقت بوجهها الصبوح؛ كالصباح؟ هأنذا أتملاه: العينان السوداوان العميقتان. الأنف القرنفلي الدقيق. الفم البرعمي الصغير. الشفتان الرقيقتان بتلتان من ورد شقائق النعمان. الشعر ليل مسدول يؤطر قمره!

الخلاصة: هو دنيا من الإغراء والدفء والأنس. له طعمه الخاص. ونكهته الفريدة. انغمست فيه. غلّفني وغلّفته. غلّفني ببشاشة لدائنه. وغلّفته بفراشات روحي. ولكن هل تبقى لدي أعصاب تحزمني، حين يرف من مركز دائرته، ثغر باسم، عذب، لينغم بالصوت المخملي الهادئ في تقديم برنامج تلفازي؟ فأي صوت أسمع، أسمهان أم فيروز؟ وأية موسيقى تصدح (لفريد)، أم (لعبد الوهاب)؟ وأي ترجيع للغة ملائكية يتردد في أذني؟

أقف مبهوراً مستسلماً، أمام التلفاز. وكل عصافيري، وأطيار غاباتي، تزقزق، وتنشد. وكل الفصول تنثال بأقمار العطر والأقحوان. السحر يتهادى في فجاج نفسي لحناً وغناءً!

وأفعم بالجمال الحلال؛ إلى أن تتوارى مرآة الجبين. وتغيب شمس مزارع الحبق وحقول الياسمين، في جمتي الوجنتين الأسيلتين. لأنكمش، بدوري، وأمارس معركة صغيرة، حتى صباح اليوم التالي. إذ أعود تتغذى عيناي بالوجه الزهري. المشرّب بشتى التلاوين، والظلال والأنوار...

وكم طال وقوفي. وأنا صامد قامتي قبالته، جرياً مع عادة الحنين إلى روعة المجهول، وحب الوصول إلى اللا ممكن. وكنت كمن يشاطئ بحراً مليئاً بالأسرار والألغاز. أعب الطلاوة والعذوبة. وأستاف الشميم والريحان.

أتطاول على قدمي. وقلبي يتخصب فرحاً وشوقاً، علني أرى بقية التكوين الخلاق، في الجسم العجيب! صحيح؟ لم لا يظهر المخرج التلفازي من هذه المذيعة إلا وجهها؟ ماذا يروم..؟ أرأفة منه بالمشاهدين، أم هو من هواة الوجوه فقط –"البورتريه"-؟ ونبعت الأسئلة في رأسي. ثم عدت: واه..! كيف يكون ذلك الجسد الخفي الغائر بكنوزه؟!

العنق العاجي. الصدر الضاج بثماره. أديم البشرة المتلألئة. ال...

وساعات حميمة أقضيها مع المفاتن الموشومة المتخيلة. كأنني في مجد "النعيم". وأهيم بها، وهي أمامي تجسيد خالص للهيام نفسه. حتى اسمها –وهو، طبعاً سيد كل الأسماء وسلطانهم –مشتق من الهيام.

أراها ترنو إلي، وتبادلني الأنفاس الحارة. والتمتمات الشهية. والكلام الذي تبثه، وهي تحرك جمر شفتيها، أسمعه جيداً. كأنه آدم لغة خاصة تخاطبني بها. وحين تسبل جفونها. وتطرف برموشها. كأنها تسكب في قلبي. لا في أذني كلامها الجميل. بل في قلبي لا في أذني. ويييه...!

كم ((الرفقة) مريحة بمعية القلب. هذا الرفيق الحنون. الذي يظل يلهبني ويثيرني بأحاديثه عنها. أحاديثه الطلية الرخية...

وهكذا اقتنعت –من خلال مقابلاتها الصباحية – وآمنت أنها كائنة حية تظهر أمامي من لحم وعظم. يسري في أوعيتها دم. لا هي صورة مرسلة في الفضاء عبر مئات الكيلو مترات. لا. ليست هي كدمية، دون طعم أو رائحة. مثل قوالب الجبس. في معارض الأزياء و (النفوتيهات). ولا مثل الأزهار الاصطناعية. هي فتاة حقيقية. تتحرك في ذلك الصندوق؛ وتتعشّب اخضراراً ونداوة تجاهي. وصارت بغيتي في دنياي. كنت أبحث عن امرأة دافئة تؤنسني، وتعبر جوانيتي، لتنقلني من تلك ((الوحشة)) التي مزّقت فيها نفسي أكثر من مرة.

كنت أسكن في غرفة صغيرة، وأصبحت كأنها العالم، وأُراني أمضي فيها صباحات بذاخة. لا أشهى ولا أطيب! أشخص مولّهاً إلى شاشة التلفاز. وألتفت حولي. حتى لا يراها أحد سواي. هذه المرأة حكر لي، بل أخذتني عليها غيرة قاتلة. ثم فطنت. فكرة سوداء ادلهمّت في فضاء ذهني. ولكن محوتها في الحال. هي ما زالت عزباء. أنا الذي يقتنص نجمة سمائها.. وحدي.

في ذات صباح، وددت لو أداعبها. واندفعت لألامسها بيدي، كفاني مناجاة وتوجدا. ولكن صدمني زجاج الشاشة. وجفلت. نظرت إليها. كانت تبتسم وهي تتكلم. وكأن دخل في أذني لحظتئذ: أنا موجودة في أستوديو التلفاز. هلم إلى هناك، يا (سليم). أنتظرك محملة بأشياء قلبي وعواطفي...

يا إلهي! ماذا توحوح لي هذه المخلوقة؟ لقد عرفت اسمي. هذا بفعل قلبها الرقيق، الشفيف ذاك. وشعرت كأنني مملوء بكل الدنيا. ولم أنم في تلك الليلة.

سأقابلها، وأعانقها غداً. ما الكلام الذي سأرتب؟ هي دعتني باسمي، لمقابلتها. فكم سأسعد بلقياها، وهي تترهره بمفاتنها نحوي.

وبت مثاني ليلي، أجمع الأزهار. وألملم النجوم. وأنا أتهدهد على ضفاف قلبي. الذي كاد يطير بقبراته فرحاً. لتغرد أناشيد تلك اللقيا الموعودة.

وظل ضوء شفيف من القمر يغسلني تلك الليلة، حتى الصباح.
***


من خلف الطاولة. ظهر لي الوجه ذاته. كان يلمع كموجة من نور، إذن، لم أخطئ المكان. ولكن للآن لم أر غير الوجه فقط. على كل حال. هذا عمل "المخرج". لا علاقة لي به. اتجهت هي صوبي. ما زالت الكواكب تفر من ثغرها، وهي تقدم برنامجها. غصت في بحور العينين العميقتين. وخلدت في محرابهما. كم هي بهية الروح، تضرعُ أنوثة ولطافة. وقفت قبالتها كالممغنط. أثبتت نظرها علي برحمانية. وكان طوفاناً من الحب فاض علي. هل سألتني: أأنت الذي...؟

ورخصت الدنيا عندي. كلمة تختصر كل الأبجديات. فأجبتُ كالذي فقد كوابحه: نعم أنا الذي.../ ويهرب الكلام.

عفواً. هل كالمتها حقيقة؟ وضعي الشخصي أضحى في فوضى. أنا أعوم في غمرة هالة مقدسة.

ثم لمحتها عيناي الزائغتان. كانت صامتة. وقد رفت أهدابها. هل شرعت تحلم يا ترى؟

"تقدمي". ولا أدري، أعلانية نطقت أم سراً؟ أجهراً، أم بصوت خفيض؟

ثم تطاولت على رؤوس أصابع رجلي. علني ألمح المختبئ بالطاولة من محاسنها. ياه..! لو تنهض. فكيف ستكون قامتها الممشوقة المنبثقة من قلب الفجر. طولها ولا نخلة باسقة!/ وراحت تتراقص وتتقافز قدامي الكلمات: هيا ادرجي. بل اكرجي، يا حجلة الشاشة...

وفي أثناء حديثي الخفي هذا، كان قد انتهى وقت برنامج (صباح الخير).

ودرجت. ولا أعلم كيف رأيت قامتها المنشودة، قد غارت في كرسي ذي دواليب حتى الكتفين.

درج الكرسي اللماع من معدن (ستانلس). بل كرج مثل كرج الحجل. وأقبلت هي نحوي. ملأ رأسي سديم رمادي...

ظل الوجه البراق يسطع كالفضة النقية. ويتغلغل كالعقيق، في شراييني وأحاسيسي.

هي استمرت تدفع دواليب الكرسي بيديها الطريتين وكادت تتجاوزني..

أو ف ت ت /صفرت/ هذه هي من همت بها. لم تكن سوى وجه!!

التفتت إلي. وهزّت رأسها كأن امتلأ قلبها بالشفقة تجاهي. ثم تلألأت على ثغرها ابتسامة، وتابعت دفع الكرسي.

مشيت خلفها، وأنا أحمل جذوة روحي، حتى وصلت السيارة التي كانت تنتظرها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ذلك الوجه تلك المرأة ( وهيب سراي الدين )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبكه ميت عدلان  :: الفئه :: المنتديات الادبيه :: منتدي القصص-
انتقل الى: