* ومن الإيمان بالله سبحانه : الإيمان بأنه خالق العالم ومدبّر شئونهم والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته كما يشاء سبحانه وأنه مالك الدنيا والآخرة ورب العالمين جميعاً لا خالق غيره ، ولا رب سواه ، وأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب لإصلاح العباد ودعوتهم إلى ما فيه نجاتهم وصلاحهم في العاجل والآجل ، وأنه سبحانه لا شريك له في جميع ذلك، كما قـال تعالى : } الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل { [ الزمر : 62 ] 0 وقال تعالى : } إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمرُ تبارك الله رب العالمين { [ الأعراف : 54 ] 0
* ومن الإيمان بالله أيضاً : الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العليا الواردة في كتابه العزيز ، والثابتة عن رسوله الأمين ، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولاتمثيل، بل يجب أن تُمرَ كما جاءت به بلا كيف مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله عز وجل ، يجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته كما قال تعالى : } ليس كمثله شيء وهو السميع البصير { [ الشورى : 11 ] 0
وقال عـز وجـل : } فلا تضــربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون { [النحل :74]0
وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان ، وهي التي نقلها الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتابه "المقالات عن أصحاب الحديث وأهل السنة" ونقلها غيره من أهل العلم والإيمان0
قال الأوزاعي رحمه الله : سئل الزهري ومكحول عن آيات الصفات فقالا : أمرُّوها كما جاءت 0
وقال الوليد بن مسلم رحمه الله : سئل مالك ، والأوزاعي، والليث بن سعد وسفيان الثوري رحمهم الله عن الأخبار الواردة في الصفات، فقالوا جميعاً أمرُّوها كما جاءت بلا كيف 0
وقال الأوزاعي رحمه الله : كنا والتابعون متوافرون نقول : إن الله سبحانه على عرشه ونؤمن بما ورد في السنة من الصفات 0
ولما سئل ربيعة بن أبي عبدالرحمن شيخ مالك رحمــــة الله عليهما عن الاستواء قال : " الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ، ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ المبين وعلينا التصديق " 0
ولما سئل الإمام مالك رحمه الله عن ذلك قال : " الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة " ثم قال للسائل : ما أراك إلا رجل سوء ! وأمر به فأخرج 0 وروي هذا المعنى عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها 0
وقال الإمام ابو عبدالرحمن عبدالله بن المبارك رحمةُ الله عليه : " نعرف ربنا سبحانه بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه " 0
وكلام الأئمة في هذا الباب كثيراً جداً لا يمكن نقله في هـذه العجالة ، ومن أراد الوقوف على كثير من ذلك فليراجع ما كتبه علماء السنة في هذا الباب مثل كتاب " السنة " لعبدالله ابن الإمام أحمد ، وكتاب " التوحيد " للإمام الجليل محمد بن خزيمة ، وكتاب "السنة " لأبي القاسم اللالكائي الطبري ، وكتاب " السنة " لأبي بكر أبى عاصم ، وجواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماة ، وهو جواب عظيم كثير الفائدة قد أوضح فيه رحمة الله عقيدة أهل السنة ، ونقل فيه الكثير من كلامهم والأدلة الشرعية والعقلية على صحة ما قاله أهل السنة ، وبطلان ما قاله خصومهم 0
وهكذا رسالته الموسومة بـ : "التدمرية" فقد بسط فيها المقام وبين فيها عقيدة أهل السنة بأدلتها النقلية والعقلية والرد على المخالفين بما يظهر الحق ويدمغ الباطل لكل من نظر في ذلك من أهل العلم بقصد صالح ورغبة في معرفة الحق 0
وكل من خالف أهل السنة فيما اعتقدوا في باب الأسماء والصفات فإنه يقع ولا بد في مخالفة الأدلة النقلية والعقلية مع التناقض الواضح في كل ما يثبته وينفيه 0
أما أهل السنة والجماعة : فأثبتوا لله سبحانه ما أثبته لنفسه في كتابه الكريم أو أثبته له رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - في سنته الصحيحة إثباتاً بلا تمثيل ونزَّهوه سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيهاً بريئاً من التعطيل ، ففازوا بالسلامة من التناقض وعملوا بالأدلة كلها ، وهذه سنة الله سبحانه فيمن تمسك بالحق الذي بعث به رسله وبذل وسعه في ذلك وأخلص لله في طلبه أن يوفقه للحق ويظهر حجته كمـا قال تعالى:
} بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفــون { [الأنبياء: 18] 0