قال الله تعالى: {وقالوا اتَّخذ الرَّحمنُ وَلَداً سُبحانَهُ بل عِبادٌ مُكْرَمون(26)لا يسبِقُونَهُ بالقَوْلِ وهم بأَمْرِهِ يَعملون(27) يَعْلَمُ ما بين أيْدِيِهم وما خَلْفَهُم ولا يَشفعون إلاَّ لِمنِ ارتضى وهم من خشيته مُشْفِقُون(2 ومن يَقُلْ منهم إنِّي إلهٌ من دُونِه فذلك نَجْزِيهِ جهنَّم كذلك نَجزي الظَّالمين(29)}
ومضات:
ـ زعم بعض جاهليِّي العرب أن الملائكة هم بنات الله، وردَّ تعالى عليهم بقوله بأنهم عباد مخلوقون، مقرَّبون لديه، كرَّمهم بعبادته الدائمة المتَّصلة، الَّتي لا يشوبها زيغ أو ضلالة.
ـ الملائكة مخلوقات كسائر المخلوقات، لا تنفِّذ أمراً ولا تنجز عملاً إلا بإذن الله تعالى وإرادته.
ـ الله تعالى محيط بالملائكة، كما يحيط بسائر خلقه، فلا يغيب عنه شأن من شؤونهم.
ـ الملائكة على درجات في المقامات عند الله، وبعضهم تؤهِّله منزلته للشَّفاعة المرهونة بإذن الله عزَّ وجل ومشيئته.
ـ لا يمكن للملائكة أن يتجاوزوا حدود ما خُلقوا له، كادِّعاء الألوهية؛ لأنَّ جلال الله وعظيم هيبته يغمر كيانهم بالخشية والرَّهبة، فلا يجد الضلال والغيُّ إليهم سبيلا.
في رحاب الآيات:
لم تنحصر آيات الله في الخلق ضمن إطار المخلوقات الَّتي تدركها الحواسُّ فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى عوالم جمَّة، علمنا القليل منها وما خفي علينا أعظم {..وما أُوتِيتُـم منَ العلمِ إلاَّ قليلاً} (17 الإسراء آية 85). وقد أطْلَعَنا الله عزَّ وجل ـ بواسـطة القرآن ـ على بعضٍ من خلقه، فعرَّفنا على عوالم وكائنات ما كنَّا لنعرفها من دونه؛ ومنها الملائكة الَّتي استطعنا أن نكوِّن فكرة مجملة عنها من خلال الآيات القرآنية الكريمة، الَّتي تعبِّر إلى حدٍّ ما عن ماهيَّتهم وصفاتهم ومهامِّهم.
وتجدر الإشارة إلى أن الإنسان قد عرف الملائكة منذ خلق آدم، فهم سابقون عليه بالوجود، يدلُّ على ذلك قوله تعالى: {وإذ قال ربُّكَ للملائكةِ إنِّي جاعلٌ في الأَرضِ خليفةً..} (2 البقرة آية30). فهو بيان على أنه عزَّ وجل قد أخبر الملائكة أنه سيخلق الإنسان ويستخلفه في الأرض، ولمَّا خلقه أمَرَهُم بالسُّجود له سجود تحيَّة وتكريم لا سجود عبادة وتعظيم، قال تعالى: {وإذْ قُلنا للملائكة اسجدوا لآدمَ فسجدوا..} (2 البقرة آية 34).
إلا أن هذه المعرفة ما لبثت أن انحرفت وتشوَّهت مع تعاقب الأجيال والعصور، وضاعت حقيقتها مع تقادم الزَّمان، ولم يبقَ في أذهان الناس عن الملائكة سوى شتات من الحقيقة، ولقد ادَّعى بعضهم أن الملائكة بنات الله، فردَّ الله عليهم ادعاءهم وعرَّفهم بحقيقتهم في الآيات المذكورة، فأثبت لهم وصف المخلوقات المكرَّمة، العابدة لله، والعاملة بأمره دون تردُّد أو اعتراض، والوَجِلة منه الخاشعة له. ودلَّ على أنها لا تملك من الأمر شيئاً، ولا تستطيع القيام بأي عمل إلا بإذنه تعالى ورضاه؛ فهي مجبولة على الطاعة، تعمل وفق اتِّجاه الخير؛ فلا تضلُّ ولا تطغى، بل تبقى على حالٍ من العبادة لا يتبدَّل، تسجد لله وتمجِّده، ولا تعصيه طرفة عين ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، قال تعالى: {ولله يسجد ما في السَّموات وما في الأَرضِ من دابَّةٍ والملائِكَةُ وهم لا يَسْتكبِرون * يخافون ربَّهم من فوقِهم ويفعلون ما يُؤْمَرون} (16 النحل آية 49ـ50).