على مدى اثنين وعشرين يوماً تابع رؤساء وملوك وحكومات العالم عروضاً ومشاهد حية لترسانة السلاح الإسرائيلية، التى ساهم العالم الصناعى المتقدم فى تزويدها بكل ما هو جديد ودقيق من الأسلحة وكل ما هو فتاك ومهلك من الذخائر المباحة وغير المباحة قانوناً.
لقد شاهدتم بأنفسكم أيها المسؤولون عن حكم العالم الوحش الإسرائيلى وهو ينقض بصواريخه الدقيقة والذكية على مدارس الأونروا التى تحولت إلى ملاجئ للعائلات، خاصة النساء والأطفال، وشاهدتم يا سادتى الحكام أكوام اللحم الطرى لأطفال عرب من جميع الأعمار وقد تم قضمها بأنياب فولاذية قذرة.
شاهدتم الأعضاء المبتورة والأجسام الممزقة والعيون التى تنزف دماً ممزوجاً بالدمع لأطفال رضع ولأطفال تحبو ولأطفال لم تتجاوز سنوات أعمارها عدد أصابع اليد الواحدة.
شاهدتم بأعينكم وسمعتم شهادة رجال الأمم المتحدة، الذين أكدوا أن ادعاءات الجيش الإسرائيلى بأنه اضطر لقصف هذه الأماكن نظراً لوجود مسلحين فلسطينيين بجوارها، إنما هى ادعاءات كاذبة وشاهدتم دليلاً قوياً على هذا الكذب يوم الخميس الماضى.
لقد لجأ الجيش الإسرائيلى بعد أن قصف ثالث مدرسة للأونروا إلى قصف برج الشروق فى غزة، الذى يضم مكاتب وكالات الأنباء والقنوات الفضائية، ليمنع الصحفيين من التوجه إلى المدرسة وتصوير محرقة لحم الأطفال الطرى، التى يدرجها سلاح الطيران الإسرائيلى بين مفاخره وإنجازاته.
سادتى حكام العالم ومالكيه.. لقد استمعتم طبعاً، فى ثقة وتصديق تام، لخطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، المتهم رسمياً بالفساد، وهو الخطاب الذى ألقاه مساء السبت الماضى ليعلن فيه وقف إطلاق النار من جانب واحد.
ولا شك أنكم سادتى حكام العالم قد صدقتم قوله إنه حزين على كل ضحية مدنية سقطت، وإن الجيش الإسرائيلى يتسم بمعايير أخلاقية رفيعة تميزه عن سائر جيوش العالم، حيث يتجنب إصابة المدنيين العزل وإيقاع الضرر بهم.
يا حكام العالم لقد بلغ عدد الضحايا من المدنيين العزل الذين تحطمت أسقف بيوتهم على رؤوسهم وهم عزل يرتعدون من الخوف من ارتجاج القنابل الثقيلة ثمانية آلاف شخص ما بين قتيل وجريح.
وكل هؤلاء القتلى والجرحى سادتى حكام العالم من المدنيين، وثلثهم من الأطفال الذين تحولوا إلى أجزاء مبعثرة وأصبحت أجسادهم مثل العجينة التى مر عليها فيل ضخم.
لقد شاهد معكم كل هذه الجرائم الوحشية أطفال وشباب فى كل أنحاء العالم، على شاشات التليفزيون وإذا كنتم يا سادتى الحكام لم تندهشوا لمرأى هذه الفظائع التى أدرجتموها فى نطاق خانة «حق إسرائيل فى الدفاع الشرعى عن النفس»، فإن أطفال وشباب العالم قد تساءل عن معنى هذه الوحشية وعن دلالة إحياء مشاهد المحرقة النازية بالقنابل العنقودية والقنابل الفسفورية وقنابل اليورانيوم المنضد.
دعونى أذكركم سادتى حكام العالم ببعض النصوص التى وقعت عليها حكوماتكم منذ عام ١٩٤٩ وبالتحديد فى ١٢ أغسطس من ذلك العام تحت عنوان «اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين فى وقت الحرب». تقول المادة الأولى: تتعهد الأطراف السامية بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها فى جميع الأحوال.
وتقول المادة الثانية: علاوة على الأحكام التى تسرى فى وقت السلم، تنطبق هذه الاتفاقية فى حالة الحرب المعلنة أو أى اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب، وتنطبق الاتفاقية أيضاً فى جميع حالات الاحتلال الجزئى أو الكلى لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة.
وأرجو سادتى الحكام أن تلاحظوا انطباق الاتفاقية على حالة غزة الخاضعة للاحتلال، ثم أرجوكم أن تدققوا النظر فى الكلمات التالية التى ترد فى المادة الثالثة حيث تقول: فى حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولى فى أراضى أحد الأطراف السامية المتعاقدة يلتزم كل طرف فى النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:
١- توفير المعاملة الإنسانية فى جميع الأحوال للأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة فى الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا أسلحتهم والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأى سبب آخر. ولهذا الغرض تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه وتبقى محظورة فى جميع الأوقات والأماكن:
أ- الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب. ب- أخذ الرهائن. ج- الاعتداء على الكرامة الشخصية وعلى الأخص المعاملة المهينة والمحطة بالكرامة. كما يجب تجميع الجرحى والمرضى والاعتناء بهم.
سادتى حكام العالم - ولا أستثنى منكم أحداً - إن الأحكام السابقة جميعاً قد تم انتهاكها وهتك عرضها من جانب قوات الجيش النظامى الرسمى التابع لدولة إسرائيل، ومع ذلك فإن عدداً كبيراً من أعضاء دول الاتحاد الأوروبى قد امتنع عن التصويت فى المجلس الدولى لحقوق الإنسان عند التصويت على قرار بإدانة جرائم الحرب الإسرائيلية الجارية أمام عيون العالم وتحت عدساته.
كذلك فلقد أصدرت الرئاسة التشيكية للاتحاد الأوروبى بياناً فى بداية العمليات العدوانية تصف فيه الجرائم ضد المدنيين العزل بأنها دفاع شرعى عن النفس من جانب إسرائيل.
سادتى حكام العالم.. عندما أصابكم الفزع بعد الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن فى ١١/٩/٢٠٠١.. كتبنا نقول إن الحرب الهادفة إلى تجفيف منابع الإرهاب والعنف والكراهية يجب أن تضع فى بؤرة اهتمامها مأساة الشعب الفلسطينى الممتدة منذ عام ١٩٤٨،
فهذه المأساة بكل ما صحبها من مذابح إسرائيلية وعمليات إرهاب للمدنيين من جانب دولة إسرائيل، تمثل نبعاً رئيسياً للكراهية لإسرائيل وحلفائها فى نفوس الشعوب العربية والإسرائيلية: قلنا إن الحملات العسكرية لن تنجح فى تجفيف آبار الإحساس بالظلم القومى لدى العربى والظلم الدينى لدى الشعوب الإسلامية، وإن إيجاد حل عادل للمأساة الفلسطينية هو الأمر الوحيد الكفيل بعلاج الجروح الغائرة فى الضمير العربى والإسلامى، من خلال إشباع التطلعات المشروعة للفلسطينيين بإقامة وطن قومى فى شكل دولة مستقلة.
سادتى حكام العالم أرى أنكم لم تسمعوا نصيحتنا وسمحتم لإسرائيل مرة أخرى بقضم لحم الأطفال العرب الطرى فى غزة على مشهد من العيون العربية المفزوعة. فهل تتوقعون فى المستقبل أن يرفع الشباب العرب الكؤوس ليشرب معكم نخب انتصار إسرائيل والحضارة الغربية التى تحمى جرائمها؟ مبروك عليكم ما زرعتم بتواطئكم مع الجرائم الإسرائيلية من بذور موجة الإرهاب الجديدة.
بقلم د.إبراهيم البحراوى ( المصري اليوم)