وفيه يقول مروان بن أبي الجنوب فأمسك ندى كفيك عنى ولا تزدفقد خفت أن أطغى وأن
أتجبرا فقال لا أمسك حتى يغرقك جودى وكان اجازه على قصيدة بمائة ألف وعشرين ألفا
ودخل عليه بن الجهم يوما وبيديه درتان يقلبهما فأنشده قصيدة له فرمى إليه بدرة
فقلبها فقال تستنقص بها وهي والله خير من مائة الف فقال لا ولكنى فكرت في أبيات
أعملها آخذ بها الأخرى فقال قل فقال بسر من را إمام عدلتغرف من بحره البحار الملك
فيه وفي نبيهما اختلف الليل والنهار يرجى ويخشى لكل خطب كأنه جنة ونار يداه في
الجود ضرتان عليه كلتاهما تغار لم تأت منه اليمين شيئاألا أتت مثلها اليسار فرمى
إليه بالدرة الأخرى قال بعضهم سلم على المتوكل بالخلافة ثمانية كل واحد منهم أبوه
خليفة منصور بن المهدى والعباس بن الهادى وأبو أحمد بن الرشيد وعبدالله بن الأمين
وموسى بن المأمون واحمد بن المعتصم ومحمد بن الواثق وابنه المنتصر وقال المسعودى لا
يعلم احد متقدم في جد ولا هزل إلا وقد حظى في دولته ووصل إليه نصيب وافر من المال
وكان منهمكا في اللذات والشراب وكان له أربعة آلاف سرية ووطىء الجميع وقال على بن
الجهم كان المتوكل مشغوفا بقبيحة أم ولده المعتز لا يصبر عنها فوقفت له يوما وقد
كتبت على خديها بالغالية جعفرا فتأملها وأنشأ يقول كاتبة بالمسك في الخد جعفرابنفسى
محط المسك من حيث أثرا لئن أودعت سطرا من المسك خدهالقد أودعت قلبى من الحب أسطرا
وفي كتاب المحن للسلمى ان ذا النون أول من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال ومقامات أهل
الولاية فأنكر عليه عبدالله بن عبدالحكم وكان رئيس مصر ومن جلة أصحاب الملك وأنه
احدث علما لم يتكلم فيه السلف ورماه بالزندقة فدعاه أمير مصر وسأله عن اعتقاده
فتكلم فرفض أمره وكتب به إلى المتوكل فأمر باحضاره فحمل على البريد فلما سمع كلامه
أولع به وأحبه وأكرمه حتى كان يقول إذا ذكر الصالحون فحيهلا بذى النون كان المتوكل
بايع بولاية العهد لابنه المنتصر ثم المعتز ثم المؤيد ثم إنه اراد تقديم المعتز
لمحبته لأمه فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد فأبى فكان يحضره مجلس العامة ويحط
منزلته ويتهدده ويشتمه ويتوعده واتفق أن الترك انحرفوا عن المتوكل لأمور فاتفق
الأتراك مع المنتصر على قتل أبيه فدخل عليه خمسة وهو في جوف الليل في مجلس لهوه
فقتلوه هو ووزيره الفتح بن خاقان وذلك في خامس شوال سنة سبع وأربعين ومائتين ورؤى
في النوم فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي بقليل من السنة أحييتها ولما قتل رثته
الشعراء ومن ذلك قول يزيد المهلبى جاءت منيته والعين هاجعةهلاأتته المنايا والقنا
قصد خليفة لم ينل ما ناله أحدولم يضع مثله روح ولا جسد وكان من حظاياه وصيفة تسمى
محبوبة شاعرة عالمة بصنوف العلم عوادة فلما قتل ضمت إلى بغا الكبير فأمر بها يوما
للمنادمة فجلست منكسة فقال غنى فاعتلت فأقسم عليها وأمر بالعود فوضع في حجرها فغنت
ارتجالا أى عيش يلذ لىلا أرى فيه جعفرا ملك قد رأيتهفي نجيع معفرا كل من كان ذا
هيام وسقم فقد برا غير محبوبة التىلو ترى الموت يشترى لا تشتريه بما حوتهيداها
لتقبرا إن الموت الحزين أطيب من أن يعمرا فغضب بغا امر بها فسجنت فكان آخر العهد
بها ومن الغرائب أن المتوكل قال للبحترى قل في شعرا وفي الفتح بن خاقان فإنى أحب أن
يحيا معى ولا أفقده فيذهب عيشى ولا يفقدنى فقل في هذا المعنى فقال يا سيدى كيف
اخلفت وعدىوتثاقلت عن وفاء بعهدى لا أرتنى الأيام فقدك يا فتحولا عرفتك ما عشت فقدى
أعظم الرزء أن تقدم قبلىومن الرزء أن تؤخر بعدى حذرا أن تكون إلفا لغيرىإذ تفردت
بالهوى فيك وحدى فقتلا معا كما تقدم ومن أخبار المتوكل اخرج ابن عساكر أن المتوكل
رأى في النوم كأن سكرا سليما نيئا سقط عليه من السماء مكتوبا عليه جعفر المتوكل على
الله فلما بويع خاض الناس في تسميته فقال بعضهم نسميه المنتصر فحدث المتوكل أحمد بن
أبى دؤاد بما رأى في منامه فوجده موافقا فأمضى وكتب به إلى الآفاق وأخرج عن هشام بن
عمار قال سمعت المتوكل يقول واحسرتا على محمد ابن ادريس الشافعى كنت أحب أن أكون في
ايامه فأراه وأشاهده وأتعلم منه فإنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام
وهو يقول يا أيها الناس إن محمد بن إدريس المطلبى قد صار إلى رحمة الله وخلف فيكم
علما حسنا فاتبعوه تهدوا ثم قال اللهم ارحم محمد بن أدريس رحمة واسعة وسهل على حفظ
مذهبه وانفعنى بذلك قلت استفدنا من هذا أن المتوكل كان متمذهبا بمذهب الشافعى وهو
أول من تمذهب له من الخلفاء واخرج عن أحمد بن على البصرى قال وجه المتوكل إلى أحمد
بن المعدل وغيره من العلماء فجمعهم في داره ثم خرج عليهم فقام الناس كلهم له غير
أحمد ابن المعدل فقال المتوكل لعبيدالله إن هذا لا يرى بيعتنا فقال له بلى يا أمير
المؤمنين ولكن في بصره سوءا فقال أحمد بن المعدل يا أمير المؤمنين ما في بصرى سوء
ولكن نزهتك من عذاب الله قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أحب أن يتمثل له
الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار فجاء المتوكل فجلس إلى جنبه وأخرج عن يزيد
المهلبى قال قال لى المتوكل يا مهلبى إن الخلفاء كانت تتصعب على الرعية لتطيعها
وأنا ألين لهم ليحبونى ويطيعونى واخرج عن عبد الأعلى بن حماد النرسى قال دخلت على
المتوكل فقال يا أبا يحيى ما أبطأك عنا منذ ثلاث لم نرك كنا هممنا لك بشىء فصرفناه
إلى غيرك فقلت يا أمير المؤمنين جزاك الله عن هذا الهم خيرا ألا أنشدك بهذا المعنى
بيتين قال بلى فأنشدته لاشكرنك معروفا ههمت به إن اهتمامك بالمعروف معروف ولا ألومك
إذا لم يمضه قدرفالرزق بالقدر المحتوم مصروف فأمر لى بألف دينار وأخرج عن جعفر بن
عبدالواحد الهاشمى قال دخلت على المتوكل لما توفيت أمه فقال يا جعفر ربما قلت البيت
الواحد فإذا جاوزته خلطت وقد قلت وأخرج عن الفتح بن خاقان قال دخلت يوما على
المتوكل فرأيته مطرقا متفكرا فقلت يا أمير المؤمنين ما هذا الفكر فوالله ما على ظهر
الأرض أطيب منك عيشا ولا أنعم منك بالا فقال يافتح أطيب عيشا منى رجل له دار واسعة
وزوجة صالحة ومعيشة حاضرة لا يعرفنا فنؤذيه ولا يحتاج إلينا فنزدريه واخرج عن أبى
العيناء قال اهديت إلى المتوكل جارية شاعرة اسمها فضل فقال لها أشاعرة أنت قالت
هكذا زعم من باعنى واشترانى فقال أنشدينا شيئا من شعرك فأنشدته استقبل الملك إمام
الهدىعام ثلاث وثلاثينا خلافة أفضت إلى جعفروهو ابن سبع بعد عشرينا إنا لنرجو يا
إمام الهدىأن تملك الملك ثمانينا لا قدس الله امرءا لم يقلعند دعائى لك آمينا وأخرج
عن على بن الجهم قال اهدى إلى المتوكل جارية يقال لها محبوبة وقد نشأت بالطائف
وتعلمت الأدب وروت الأشعار فأغرى المتوكل بها ثم إنه غضب عليها ومنع جوارى القصر من
كلامها فدخلت عليه يوما فقال لى قد رأيت محبوبة في منامى كأنى قد صالحتها وصالحتنى
فقلت خيرا يا أمير المؤمنين فقال قم بنا لننظر ما هى عليه فقمنا حتى أتينا حجرتها
فإذا هي تضرب على العود وتقول أدور في القصر لا أرى أحداأشكو إليه ولا يكلمنى حتى
كأنى أتيت معصية ليست له توبة تخلصنى فهل شفيع لنا إلى ملك قد زارنى في الكرى
وصالحنى حتى إذا ما الصباح لاح لناعاد إلى هجره فصارمنى فصاح المتوكل فخرجت فأكبت
على رجليه تقبلهما فقالت يا سيدى رأيتك في ليلتى هذه كأنك قد صالحتنى قال وأنا
والله قد رأيتك فردها إلى مرتبتها فلما قتل المتوكل صارت إلى بغا وذكر الأبيات
السابقة وأخرج عن على أن البحترى قال يمدح المتوكل فيما رفع من المحنة ويهجو ابن
أبى دؤاد بقوله أمير المؤمنين لقد شكراإلى آبائك الغر الحسان رددت الدين فذا بعد أن
قد أراه فرقتين تخاصمان قصمت الظالمين بكل ارض فأضحى الظلم مجهول المكان وفي سنة
رمت متجبريهم على قدر بداهية عيان فما أبقت من ابن أبى دؤاد سوى حسد يخاطب بالمعانى
تحير فيه سابور بن سهلفطاوله ومناه الأمانى إذا أصحابه اصطحبوا بليل أطالوا الخوض
في خلق القرآن وأخرج عن أحمد بن حنبل قال سهرت ليلة ثم نمت فرأيت في نومى كأن رجلا
يعرج بى إلى السماء وقائلا يقول ملك يقاد إلى مليك عادلمتفضل في العفو ليس بجائر ثم
أصبحنا فجاء نعى المتوكل من سر من رأى إلى بغداد وأخرج عن عمرو بن شيبان الجهنى قال
رأيت في الليلة التى قتل فيها المتوكل في المنام قائلا يقول يا نائم العين في أوطان
جسمانأفض دموعك يا عمرو بن شيبان أما ترى الفئة الأرجاس ما فعلوابالهاشمى وبالفتح
بن خاقان وافى إلى الله مظلوما تضج لهأهل السموات من مثنى ووحدان وسوف يأتيكم أخرى
مسومةتوقعوها لها شأن من الشان فابكوا على جعفر وارثوا خليفتكمفقد بكاه جميع الإنس
والجان ثم رأيت المتوكل في النوم بعد أشهر فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي بقليل من
السنة احييتها قلت فما تصنع ههنا قال أنتظر محمد ابنى أخاصمه إلى الله أحاديث من
رواية المتوكل قال الخطيب أخبرنا أبو الحسين الأهوازى حدثنا محمد بن إسحاق ابن
إبراهيم القاضى حدثنا محمد بن هارون الهاشمى حدثنا محمد بن شجاع الأحمر قال سمعت
المتوكل يحدث عن يحيى بن أكثم عن محمد بن عبدالمطلب عن سفيان عن الأعمش عن موسى بن
عبدالله بن يزيد عن عبدالرحمن ابن هلال عن جرير بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال من حرم الرفق حرم الخير أخرجه الطبرانى في معجمه الكبير من وجه آخر
عن جرير وقال ابن عساكر أخبرنا نصر بن أحمد بن مقاتل السوسى حدثنى جدى أبو محمد
حدثنا أبو على الحسين بن على الأهوازى حدثنا ابو محمد عبدالله ابن عبدالرحمن بن
محمد الأزدى حدثنا أبو الطيب محمد بن جعفر بن داران غندر حدثنا هارون بن عبدالعزيز
بن أحمد العباسى حدثنا احمد بن الحسن المقرىء البزار حدثنا أبو عبدالله محمد بن
عيسى الكسائى واحمد بن زهير وإسحاق بن إبراهيم بن إسحاق فقالوا حدثنا على بن الجهم
قال كنت عند المتوكل فتذاكروا عنده الجمال فقال ان حسن الشعر لمن الجمال ثم قال
حدثنى المعتصم حدثنى المأمون حدثنا الرشيد حدثنا المهدى حدثنا المنصور عن أبيه عن
جده عن ابن عباس قال كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمة إلى شحمة اذنيه
كأنها نظام اللؤلؤ وكان من أجمل الناس وكان أسمر رقيق اللون لا بالطويل ولا بالقصير
وكان لعبد المطلب جمة إلى شحمة اذنيه وكان لهاشم جمة إلى شحمة أذنيه قال على بن
الجهم وكان للمتوكل جمة إلى شحمة أذنيه وقال لنا المتوكل كان للمعتصم جمة وكذلك
للمأمون والرشيد والمهدى والمنصور ولأبيه محمد ولجده على ولأبيه عبدالله بن عباس
قلت هذا الحديث مسلسل من ثلاثة اوجه بذكر الجمة والآباء وبالخلفاء ففى إسناده ست
خلفاء مات في أيام خلافة المتوكل من الأعلام أبو ثور والإمام أحمد بن حنبل وإبراهيم
بن المنذر الخزامى وإسحاق بن راهوية النديم وروح المقرىء وزهير بن حرب وسحنون
وسليمان الشاذكونى وأبو مسعود العسكرى وابو جعفر النفيلى وأبو بكر بن ابي شيبة
وأخوه وديك الجن الشاعر وعبدالملك بن حبيب إمام المالكية وعبدالعزيز بن يحيى الغول
أحد أصحاب الشافعى وعبيدالله بن عمر القواريرى وعلى بن المدينى ومحمد بن عبدالله بن
نمير ويحيى بن معين ويحيى ابن بكير ويحيى بن يحيى ويوسف الأزرق المقرىء وبشر بن
الوليد الكندى المالكى وابن أبى دؤاد ذاك الكلب لا رحمه الله وأبو بكر الهذلى
العلاف شيخ الاعتزال ورأس أهل الضلال وجعفر بن حرب من كبار المعتزلة وابن كلاب
المتكلم والقاضى يحيى بن أكثم والحارث المحاسبى وحرملة صاحب الشافعى وابن السكيت
وأحمد بن منيع وذى النون المصرى الزاهد وأبو تراب النخشبى وابو عمر الدورى المقرىء
ودعبل الشاعر وأبو عثمان المازنى النحوى وخلائق آخرون