هل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- بحكم نشأة عبدالناصر، إذ جاء من طبقة متوسطة، لذا كان مهتماً بالجزء الخاص بحماية الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، واعتبرهما إحدي
المسائل الرئيسية في إدارة الاقتصاد المصري في ذلك الوقت.. بدليل أنه توسع في التعليم المجاني، وأنشأ الجامعات الإقليمية وأعطي الدعم.. لذا أراد أن تكون الملكية الاقتصادية والقرار الاقتصادي في يد الدولة، وألا يتحكم فيهما الأجانب، وكانت الفلسفة واضحة ومحددة عن طريق التأميم والتمصير، وبدأت المشروعات التي تخدم هذه الفلسفة من قانون الملكية الزراعية، وتحديد الملكيات ثم تأميم قناة السويس بعد ٥٦،
وفي عام ٦٢ جاءت القرارات الاشتراكية، وانعقد مؤتمر اقتصادي كبير نوقش فيه تحويل الدولة إلي الاشتراكية.. وهذا يعني أنه منذ عام ٥٢ إلي ٦٢ كانت مرحلة التمصير.. بدأت بالبنوك والتجارة الخارجية والتأمين.. ولجأنا إلي الاتحاد السوفيتي بعد أن امتنعت أمريكا عن تمويل السد العالي وتم بناء القاعدة الصناعية في مصر بالتعاون مع الاتحاد السوفييتي.. أما الفترة مابعد ٦٢ حتي عام ٦٧ فهي فقط الفترة التي تم تطبيق النظام الاشتراكي فيها.
* أفهم من ذلك أن القرار لم يكن قرار عبدالناصر منفردا؟
- لا، علي الإطلاق، بل كان قرار النخبة الحاكمة آنذاك.
* ومَنْ هم؟
- الدكتور عبدالمنعم القيسوني، وزير الاقتصاد، وراشد البراوي «أستاذ المالية العامة» في كلية التجارة، وعلي الجريتلي محافظ البنك المركزي.. وهم اقتصاديون أفذاذ وعدد من خبراء الاقتصاد.. ويجب ألا ننسي أنه جاء في فلسفة الدولة في الأساس، أنه يجب أن يكون القرار الاقتصادي في يد الدولة.
* وهل تعتبره قراراً صحيحاً أم جانبه بعض الصواب؟
- من خلال خبرتي وعملي مع الحكومة منذ عام ٦٨ وحتي عام ٧٥ والتجهيز لحرب أكتوبر.. أظن أن سيطرة الدولة علي القطاع العام، كانت ضرورة من ضرورات المعاونة في تمويل معركة أكتوبر.
* ألم تكن هناك أخطاء؟
- بالفعل كانت هناك أخطاء، واعترف بها عبدالناصر، فقبل وفاته بأسابيع قليلة طلب مني عمل دراسة حول اقتصاديات القطاع العام.. وكان يريد أن يعرف لماذا لا يأتي القطاع العام بنتائج وأرباح شركات القطاع العام الموجودة في الغرب نفسها، ولماذا أسعار منتجات القطاع العام في مصر أعلي من المستورد.. وقمت بالدراسة بالفعل.
* وهل تذكر ما جاء بها؟
- نعم.. فقد جاء علي رأس الأسباب تعيين خريجي الجامعات والمعاهد العليا مما يكلف الدولة تكلفة كبيرة، إذ كان ذلك يستهلك كثيرا من عائد القطاع العام آنذاك، ولكن كنا وقتها أمام أحد أمرين.. إما أن نترك الخريجين كما هو الوضع الحالي في الشارع بلا عمل، وإما أن نتحمل تكلفة تشغيلهم.. كما أن وارداتنا بالكامل كانت تأتي من الغرب بالعملة الصعبة بينما صادراتنا تذهب الي الشرق بالنظام الحسابي، وهذا يعني عدم وجود توازن.. بالإضافة إلي أن التكنولوجيا التي كنا نستخدمها والمستوردة من الشرق أي الاتحاد السوفيتي، والتي اضطررنا إليها، كانت أقل من الموجودة في الغرب، وهي كلها أشياء أثرت علي أداء القطاع العام.
* لو كان عبدالناصر من طبقة غنية.. هل كانت سياسته الاقتصادية ستختلف، وإلي أي مدي تؤثر نشأة الرئيس في طريقة حكمه؟
- ليست النشأة فقط هي التي أثرت، ولكنها الحالة الاقتصادية في البلد، المتمثلة في احتكار عدد من أصحاب الملكيات الكبيرة القواعد الصناعية بالإضافة إلي احتكار الأجانب.. لذا عندما حدد عبدالناصر الملكية كانت ضرورة من الضرورات.. ولكننا أيضا لا ننكر أن النشأة وقناعات الرئيس تؤثران بشكل كبير.
* كنت وزيراً للخزانة في مارس ٦٨ ووزيراً مرة أخري عام ١٩٧٠ ونائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للمالية والاقتصاد والتجارة الخارجية في أبريل عام ٧٤، ثم ترأست الوزارة في سبتمبر ٧٤ واستقلت في أبريل ٧٥، أي رئيس وزراء لمصر حوالي ٨ شهور.. فاسمح لي أن أسألك: ماذا كانت أولوياتك طوال عملك الرسمي في عهد كل من الرئيسين عبدالناصر والسادات؟
- تسلمت وزارة الخزانة وخسائر النكسة بعد ٦٧، كانت تتجاوز العشر مليارات جنيه، أيام كان الدولار بأربعين قرشاً.. الدولة كانت منهكة ومهزومة، وكان أحد مهامي تدبير تمويل الجيش لإعادة بناء القوات المسلحة، وثانياً استمرار التنمية.. وثالثاً المحافظة علي الطبقات المتوسطة بالتكافل الاجتماعي والدعم.. وحتي أنفذ هذه المنظومة عملت ما يسمي «برنامج الإصلاح المالي والإداري».. وأضاف - مستنكراً -: طبعاً بعد خروجنا من الوزارة، كل ذلك تم إلقاؤه في «الزبالة».
* كيف تصف السياسة المالية والاقتصادية لعبدالناصر؟
- كانت لدينا أجهزة تدرس الأسعار والأجور مثل المجلس الأعلي للأجور ومجلس آخر للأسعار تابع لوزارة التخطيط، كما أنني في عام ٦٨ وجدت أن هناك ضرورة لعمل ما يسمي «الإصلاح الوظيفي»، ويهدف إلي التدرج برفع الناس المتخلفة في أجورها، حتي يكون هناك مستوي عام للأجور في مصر لا يتم النزول عنه، وكانت هناك رقابة تحكم كل ذلك، بعكس ما يحدث الآن من ارتفاع مذهل في الأسعار وتفاوت كبير في الأجور.
* أصبح ازدياد عدد السكان تبريراً حاضراً وجاهزاً علي ألسنة المسؤولين عند سؤالهم عن التنمية، وعدم شعور المواطن بارتفاع المؤشرات الاقتصادية.. فما رأيك؟
- لا شك أن زيادة السكان، أمر يجب أخذه في اعتبارات التنمية، ولكن يفترض أن تكون الزيادة السكانية نعمة وليست نقمة.. عن طريق استغلالهم في الإنتاج.. لكنها تحولت إلي نقمة للأسف، لأن الزيادة السكانية لا تتناسب مع معدلات التنمية.. والتضخم يبلع كل زيادة في الأجور وبالتالي لا يوجد توازن.. وهنا يجب ألا نضحك علي أنفسنا ونقول بارتفاع المؤشرات الاقتصادية ونصمت.. علينا أن نسأل أنفسنا: ما أسباب ارتفاع المؤشر العام، وهل هذا الارتفاع يعود إلي زيادة في الإنتاج؟ بالطبع لا، فمصادر هذا الارتفاع تتلخص في الغاز والبترول والسياحة.. لذا فالمواطن لا يشعر بأي تنمية أو زيادة في الدخل لأن مصادرها ليست الإنتاج، كما أنه لا أحد يعرف فيما تنفق هذه الأموال؟
عبقرينو