<tr><td>خامسًا: اختيار الله تعالى لهذا الجيل |
فالله عز وجل كما اختار نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم للرسالة فقد اختار هذا الجيل الذي عاصره للصحبة، وعلى قدر هذا الاصطفاء الجليل يجب أن يكون تقديرنا لهذا الجيل ليس أبدًا كما يقول بعض من قل أدبهم وانعدم حياؤهم: هم رجال ونحن رجال. أبدًا، هم جيل اختاره الله لحمل الأمانة، ولتوصيل الرسالة، ولتعليم الأمة ولنشر الدين، فكما اختار الله جبريل عليه السلام لينزل بالرسالة على النبي صلى الله عليه وسلم، واختار الرسول صلى الله عليه وسلم ليبلغ الناس بما أراده الله، فإنه قد اختار هؤلاء الأصحاب؛ لكي يسمعوا ويفهموا ويستوعبوا ويتحركوا بهذه الكلمات، وهذه الأفعال التي نقلوها عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فخرج هذا الجيل كأرقى ما تكون الأجيال، وصُنِعَ هذا الجيل على عين الله عز وجل، أبدًا والله، ليسوا كغيرهم من البشر. روى البخاري ومسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. وروى البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهَ. وقال الله تعالى في حقهم: [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ] {التوبة:100} . |
<tr><td>سادسًا: الصديق أعظم رجال الأمة بعد الرسول صلى الله |
<tr><td class=ArticleBody align=right>بل هو أعظم أهل الأرض بعد الأنبياء، ومن الواضح أننا لم نوفه حقه بعد، ومن الواضح أيضًا أن كثيرًا من المسلمين لا يعلمون كثيرًا عن حياة الصديق رضي الله عنه، وقد يكون ذلك لقصر مدة حكمه رضي الله عنه، ولكن هذا ليس مبررًا أبدًا لغفلتنا عن سيرة حياة هذا العملاق، فها نحن قد تعرضنا في هذه الأسطر لجوانب محدودة من حياته رضي الله عنه، ولكن رأينا فيها العجب، فكيف بنا بعد أن نعلم خطواته في حروب الردة، وفارس، والشام. لا شك أن دراسة تاريخ الصديق وأمثاله من عظماء المسلمين ستضرب أروع القدوات لنا ولأبنائنا من بعدنا، وخاصة أننا في زمان لا تعدو فيه قدوة كثير من أبنائنا على أن تكون لمطرب شرقي أو غربي، أو لكاتب علماني، أو لرجل لا يملك من مقومات النبوغ إلا المال. ماذا يعرف أبناؤنا عن الصديق وعمر وعثمان وعن علي رضي الله عنهم أجمعين؟ماذا يعرفون عن حمزة وخالد وعن القعقاع وعن الزبير؟ماذا يعرفون عن موسى بن النصير، وعن يوسف بن تاشفين، وعن نور الدين محمود وعن صلاح الدين الأيوبي؟لا يكفي هنا أن يعرف اسمه وسطرًا عن حياته، نريد معرفة كاملة لمناهج هؤلاء في حياتهم، وكيف وصلوا إلى أعلى درجات المجد في الدنيا، ونسأل الله أن يكونوا جميعًا من أهل الجنة، لا شك أن تاريخ هؤلاء الأبطال سيكون خير معين على إصلاح أنفسنا ومجتمعنا.
<table id=ctl00_ContentPlaceHolder1_GridView1 style="BORDER-COLLAPSE: collapse" cellSpacing=0 border=0>|
<tr><td class=SectionTitle align=right>سابعًا: يتحتم على الأمة دراسة تاريخها إذا أرادت ال </TD></TR>
<tr><td class=ArticleBody align=right>إن دراسة التاريخ بصفة عامة والتاريخ الإسلامي بصفة خاصة تعتبر من الأساليب التي يتحتم على المسلمين أن يأخذوا بها إذا أرادوا القيام من جديد وإذا رغبوا في إصلاح ما فسد من أحوالنا كما ذكرنا من قبل فإن الله عز وجل جعل من كتابه العظيم القرآن قصصًا وتاريخًا، ولا شك أن هذا ه الأسلوب الأمثل لتربية الناس. لا بد أن تشتمل مناهجنا التربوية على جوانب ضخمة من التاريخ، ثلث المناهج يجب أن يكون تاريخًا، ولا بد أن نقدمه بصورة شيقة لطيفة يقبلها الصغير والكبير، ويقبلها الرجل والمرأة، ويقبلها المتخصص والعامي. لا بد أيضًا أن نُدرّس التاريخ بأسلوب هادف، يقوم في الأساس على استخلاص العبرة وعلى تربية الشعوب [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] {يوسف:111} . لا يكفي أن نسرد الأحداث سردًا، لا بد من تحليل كل نقطة، لا بد من استعراض تفاصيل كل موقف، لا بد من الوقوف على المسببات والنتائج، لا بد من ربط التاريخ في أي فترة من فتراته بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرة الصحابة رضوان الله عليهم، ولا بد من ربط التاريخ أيضًا بواقعنا المعاصر، عندها يصبح التاريخ حيًا ينبض، يصبح التاريخ دليلًا يقود إلى المستقبل، يصبح التاريخ واقيًا من الوقوع في الزلات والعثرات، يصبح أيضًا دافعًا للقيام بعد النكبات والسقطات. هذا هو التاريخ الذي نريده، ولا نريد أن نقف في التاريخ على توافه الأمور وسفاسفها، لا يهمنا أن نعرف إن كانت نملة سليمان عليه السلام ذكرًا أم أنثى، ولا يهمنا أن نعرف إن كانت سفينة نوح ثمانين ذراعًا أو مائة ذراع، أو مائتي ذراع أو إن كان الفيل أول الحيوانات دخولًا أم أنه سبق بزرافة، نحن نريد التاريخ الذي يبني عليه عمل، ويستخرج منه عبرة، ويُهتدى بدراسته طريق. </TD></TR></TABLE> |
الخـاتـمـة |
وختامًا وداعًا يا صّديق. ووداعًا يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ووداعًا يا صاحب، ويا خليفة. كم من اللحظات السعيدة مرت كدقائق قليلة، وأنا أعيش معك في مكة والمدينة. أكاد أجزم أني أراك وأعرفك. والله يا صّدّيق إني أحبك في الله. وأسأل الله أن يجمعني، ويجمعنا معك في الفردوس الأعلى مع حبيبك، وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم. فإلى لقاء قريب معك في حروب الردة، إن شاء الله. وأختم بكلام قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم مات الصديق رضي الله عنه، يوم ارتجت المدينة بأسرها لفراقه، يوم أن أقبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بيت الصديق، مسرعًا، باكيًا، مسترجعًا، ووقف، والناس حوله يقول: رحمك الله يا أبا بكر، كنت إلف رسول الله، وأنيسه، ومستراحه، وثقته، وموضع سرّه، ومشاورته، وكنت أول القوم إسلامًا، وأخلصهم يقينًا، وأشدهم لله يقينًا، وأخوفهم لله، وأعظمهم غناء في دين الله، وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحدبهم على الإسلام، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب، وأفضلهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم هديًا وسمتًا، وأشرفهم منزلة، وأرفعهم عنده، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن رسول الله وعن الإسلام أفضل الجزاء، صَدّقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذّبه الناس، وكنت عنده بمنزلة السمع والبصر، سماك الله في تنزيله صديقًا فقال: [وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ] {الزُّمر:33} . وَاسَيْته حين بخلوا، وقمت معه على المكاره حين قعدوا، وصحبته في الشدة، أكرم الصحابة، ثاني اثنين، صاحبه في الغار، والمنزل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة، وخليفته في دين الله وأمته، أحسنت الخلافة حين ارتدوا، فقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي، ونهضت حين وهن أصحابه، وبرزت حين استكانوا، وقويت حين ضعفوا، ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وهنوا، وكنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعيفًا في بدنك، قويًا في أمر الله تعالى، متواضعًا في نفسك، عظيمًا عند الله تعالى، جليلًا في أعين الناس، كبيرًا في أنفسهم، لم يكن لأحدهم فيك مغمز، ولا لقائل فيك مهمز، ولا لمخلوق عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه، القريب والبعيد عنك في ذاك سواء، وأقرب الناس عندك أطوعهم لله عز وجل وأتقاهم، شأنك الحق والصدق والرفق، قولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم، اعتدل بك الدين، وقوي بك الإيمان، وظهر بك أمر الله، فسبقت والله سبقًا بعيدًا، وأتعبت من بعدك إتعابا شديدًا، وفزت بالخير فوزًا مبينًا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله عز وجل قضاءه، وسلمنا له أمره، والله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله بمثلك أبدًا، كنت للدين عزًا وحرزًا وكهفًا، فألحقك الله عز وجل بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك. |