* صدام حسين بدأ حياته السياسية عميلاً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية
كان اسقاط الملكية العراقية ابان ثورة 1958 واحدا من اكثر الاحداث دموية في التاريخ الحديث للشرق الأوسط, ففي وقت مبكر من صباح يوم 14 يوليو، اقتحمت وحدات من الجيش تطلق على نفسها اسم »الضباط الاحرار« القصر الملكي في قصر الرحاب, دمرت المدفعية الجزء الأعلى من المبنى، واجبروا الملك فيصل الثاني والوصي، واسرهم على الهرب من المبنى الى ساحة القصر، حيث احاط بهم الضباط, ودونما اي اعتبار للنساء والاطفال تم قتلهم جميعا, كانت الناجية الوحيدة من حمام الدم، زوجة الوصي، لانها اعتبرت ميتة وسط كومة الجثث الملكية, وكان قادة الانقلاب مصممين على الا يتركوا اي اثر للعائلة العراقية الملكية، حتى لا يكون لهم اي نواة في المستقبل, وكانت لفتة الاحترام الوحيدة التي ابداها قادة الانقلاب، قد تمثلت في اخذ جثة الملك الصغير لدفنها في مكان سري.
اما جثة عم الملك والوصي السابق عبدالاله فقد اعطيت للعامة, وقد اتهم عبدالاله ورئيس الوزراء نوري السعيد بالمسؤولية عن السياسة الموالية للبريطانيين واشتبه بمسؤوليتهما عن مقتل الملك غازي، الوحيد الذي كان يحظى بالولاء من قبل الشعب العراقي اثناء فترة حكمه القصيرة في الثلاثينات, تم سحل جثة عبدالاله في الشوارع حيث تم ربطها إلى سيارة قبل تقطيعها بطريقة بشعة، وتم عرض الأشلاء والاجزاء المتبقية في وزارة الدفاع، وفي المكان نفسه الذي تم فيه شنق اربعة من الضباط الكبار على يد البريطانيين لدورهم في ثورة 1941. تمكن نوري السعيد من النجاة طيلة يومين قبل ان يقبض عليه متخفيا بملابس امرأة اثناء محاولته الهرب, حاول نوري السعيد المقاومة بمسدسه، لكنه سرعان ما تمت السيطرة عليه وقتله, ولم يكتف الضباط بذلك، بل انهم داسوه بسيارتهم مرات عدة قبل ان يتم دفن ما تبقى من الجثة, لكن مجموعة من الغوغاء نبشوا جثته ومثلوا بها، وطافوا ببعض الاجزاء في الشوارع.
أين صدام؟
اما مكان وجود صدام اثناء ايام ثورة 1958، فلم يكن معروفا, لكن يمكن القول ان البعثي الشاب وخاله كان لهما دور اثناء العنف الذي انفجر بعد الاطاحة بالملكية, وقتل مئات، وربما الالاف من العراقيين في حمام الدم، وقد ايد البعثيون بكل ما يملكون الانقلاب العسكري وكانوا مصممين على انجاحه.
وقد اعلنت الاجندة السياسية لقادة الانقلاب في الساعة السادسة والنصف صباح يوم 14 يوليو في بيان خاص عبر الاذاعة وتلا البيان عبدالسلام عارف احد قادة الانقلاب، فقال: «ان الجيش قد حرر الوطن العزيز من النظام الفاسد الذي اقامته ونصبته الامبريالية», وتمثل القرار الاول للحكومة الجديدة بالغاء المؤسسات الرئيسية للنظام السابق بما في ذلك الملكية واعتقال اولئك الذين ساعدوا ذلك النظام.
تزايدت الضغوط للتغيير خصوصاً في صيف 1958، كنتيجة لدعم العراق لحلف بغداد من جهة ونجاح عبدالناصر في تحدي بريطانيا وفرنسا حول قناة السويس عام 1956. وفي الواقع فانه بحلول عام 1958، ومزهوا بانتصاره الديبلوماسي، فان عبدالناصر كان يحاول تبني قضية البعثيين بنفسه عندما اقترح نموذجا اوليا لدول عربية متحدة في فبراير من عام 1958. اقيم اتحاد سياسي يضم سورية ومصر فانضمت اليمن في وقت لاحق، واطلق على الكونفديرالية الجديدة الجمهورية العربية المتحدة برئاسة عبدالناصر والقاهرة عاصمتها، وايد معظم الضباط الاحرار الذين نفذوا انقلاب 14 يوليو في العراق مبدأ الانضمام للاتحاد، وبخاصة اولئك الذين كانوا اعضاء في حزب البعث، والذين كانوا يعتقدون بانه السبيل الافضل لتحقيق هدفهم بانشاء دولة عربية واحدة.
ونتيجة لذلك، فقد القى البعثيون بثقلهم ودعمهم الكامل للحكومة الجديدة التي شكلت في بغداد بصيف 1958 برئاسة عبدالكريم قاسم زعيم الضباط الاحرار, اوكل قاسم للبعثيين 12 حقيبة وزارية من بين الحقائب الست عشرة في حكومته الجديدة، وكان بعض الضباط الاحرار قد وعدوا عبدالناصر بأنهم سينضمون الى الجمهورية العربية المتحدة مقابل دعمه ومساعدتهم في قلب الملكية، لكن عندما تسلم السلطة انتهج عبدالكريم قاسم منهجا يتسم بالحذر, وفي هذا المجال فان قاسم كان يتصرف بكيفية سينسخها عدد من الزعماء العراقيين في سنوات الاضطراب والعنف التالية, وعندما يكونون في المعارضة، فإن من المألوف ان يعمد سياسيون عراقيون كثيرون الى دعم فكرة تشكيل تحالفات مع جيرانهم العرب، لكنهم عندما يتسلمون السلطة، فإنهم سرعان ما يتبنون قضية العراق اولا وهي سياسة تضع المصالح العراقية في المقام الاول, وبعد ان ثبت قاسم حكمه تبنى العراق اولا، وكانت لديه تحفظات ازاء وضع استقلال العراق تحت قبضة عبدالناصر.
وكانت تساوره الشكوك ازاء دوافع بعض زملائه الانقلابيين وبخاصة عبدالسلام عارف الذي ارتأى بان يضغط من اجل الانضمام الى الكونفديرالية مع مصر وسورية بهدف تعزيز موقعه السياسي في العراق, وكما يحدث غالبا في الثورات، فان الثوار سرعان ما وجدوا انفسهم في وسط خلافات بين كل منهم حول التوجه الذي ينبغي ان تسلكه الثورة, وبحلول اوائل الخريف رفض عبدالكريم قاسم اي كونفديرالية مع عبدالناصر، وعلاوة على ذلك, وفي محاولة لتعزيز سلطته امر باعتقال عارف وعدد من الضباط الاحرار الذين حوكموا بتهمة الخيانة, وفي هذه المحاكمة تم الكشف عن تورط صدام في اغتيال سعدون التكريتي وحكم على عارف وزملائه بالموت، لكن هذه الاحكام خفضت فيما بعد الى السجن مدى الحياة.