القسم الثاني
الجرائم الدولية ضد الجنس البشري في جنوب العراق
أولا - مقدمة
قبل بيان الجرائم الدولية في جنوب العراق التي ارتكبها النظام لا بد من توضيح أقسام الجرائم الدولية التي توزع إلى ثلاثة أنواع وهي
1. جرائم مرتبطة بالحرب War Crimes
2. جرائم ضد السلم War against peace
3. جرائم ضد الإنسانية Crimes against Humanity
والجريمة الدولية تنفذ بصورة عمدية وهي جريمة كبرى high crime, أي ترتكب مع وجود القصد الجنائي للفاعل criminal intent , ولهذا لا ترتكب الجريمة الدولية في شكل جنحة أو مخالفة أو بطريقة غير عمدية أي خالية من القصد الجنائي . لذلك تعد الجريمة الدولية جناية خطيرة Infamous Crime تهز الأمن والسلم الدوليين ولا تنحصر أثارها على إقليم الدولة فقط و إنما تمتد أثارها إلى المجتمع الدولي أيضا وتطبق عقوبتها باسم الجماعة الدولية ويمكن تعريفها على إنها (( واقعة إجرامية تخالف قواعد القانون الدولي سواء أكان الفعل الذي يشكل جريمة في صورة فعل, جريمة بفعل إيجابي , أم امتناع عن فعل وهي الجريمة سلبية )).
ثانيا - أركان الجريمة الدولية ضد حقوق الإنسان
يمكن تحديد هذه الأركان على النحو التالي
1. الركن الشرعي - ويقصد به النص القانوني الذي يجرم الواقعة ( الفعل أو الامتناع ) من الأعراف و الاتفاقيات و النصوص الدولية الموقع عليها من الدول مثل اتفاقية تحريم إبادة الجنس البشري genocide وهي جريمة ضد وجود البشر إما أن تكون في صورة إبادة مادية بالقتل للتخلص من قومية معينة أو عنصر معين أو طائفة معينة كما حصل في حنوب العراق و في كردستان وفي أعوام مختلفة وبخاصة في واقعة حلبجة وواقعة الأنفال , وقد تكون الجريمة في شكل إبادة بيولوجية مثل تعقيم البشر و إبادة ثقافية كتحريم النطق باللغة القومية إن الثقافة التي تتميز بها القومية أو الطائفة أو الجماعة كما بينا ذلك , ومما يتعلق بالنص الشرعي ايضا النص على أسس الحرب الظالمة والجرائم ضد السلام كحيازة الأسلحة الفتاكة وشن الحرب و الجرائم ضد الإنسانية التي تخص انتهاكات حقوق الإنسان ومنها دفن عشرات الالاف من ابناء الجنوب وهم احياء اثناء الانتفاضة وما بعدها حيث تكتشف بين فترة واخرى القبور الجماعية في جنوب العراق التي تشير الى انها جرائم مرتكبة من النظام بالقيام بعمليات الاعدام دون محاكمة .
2. الركن المادي - ويقصد به الأفعال أو الامتناع عن الأفعال التي تشكل جريمة دولية أي هو التصرف العمدي الخطير بحد ذاته كتدمير القرى والبيئة و إخفاء الأشخاص وأجراء تجارب السلاح البيولوجي والكيماوي ضدهم وهو ما فعلة نظام صدام ضد أبناء الجنوب في العراق ..وفي مناطق الاهوار تحديدا وفي كردستان .ففي مناطق الجنوب تضرر من عملية تسميم الاهوار وتجفيف الاهوار وتدمير البيئة ما يقارب 300 الف انسان وهجرة اكثر من 100 الف انسان الى ايران يعيشون الان في الخيام في صورة نازحين حيث لم يبق من الاهوار المذكورة الا صحارى لا يمكن العيش عليها بعد قتل الطيور وتدمير البيئة وتسميم المياة ونفق الحيوانات والاسماك.وهذة المناطق تعاني من القطع المتعمد لمياة الشرب وسوء الخدمات العامة .
3. الركن المعنوي - أي أن الجريمة الدولية ترتكب عمدا ( قصد جنائي ) وهو ما يدل على خطورة الجريمة الدولية التي تهز أركان المجتمع الدولي في أمنه وتهدد السلم العالمي.ولهذا تعد الجريمة الدولية من درجة الجنايات العادية الكبرى ولا تعد الجريمة الدولية من درجة الجنحة أو المخالفة وذلك لان الجريمة الدولية ترتكب عن قصد ( ارادة الفعل + النتيجة ) معا .ولغرض إلقاء الضوء على الجرائم الدولية التي ارتكبت من النظام في العراق لابد من الإشارة بإيجاز لهذه الجرائم على النحو التالي:
ثالثا - الجرائم المرتبطة بالحرب في جنوب العراق War crimes in south of Iraq
على الرغم من أن أوضاع الحرب تسبب انتهاكات بليغة لحقوق الإنسان , إلا أن هناك من الجرائم التي ترتكب أثناء الحرب تخالف قواعد القانون الدولي و بخاصة الاتفاقيات الدولية المنصوص عليها والتي تنظم قواعد الحرب .فجريمة العدوان وجريمة شن الحرب الظالمة هما من اخطر جرائم الحرب طبقا لقواعد القانون الدولي وهي جرائم ترتكب أثناء النزاعات المسلحة وتهدد الأمن والسلم الدوليين ويعتبر مرتكبي هذه الجرائم من مجرمي الحرب ومن أعداء الإنسانية ولابد من محاكمتهم دوليا أمام محكمة جنائية دولية . فللحرب قواعدها و أسسها التي نظمتها قواعد القانون الدولي وهؤلاء هم من أعداء الإنسانية ويمكن أن نوضح القواعد الأساسية المنظمة للحرب وهي :
1. اتفاقية لاهاي لعام 1899- 1907
2. قواعد تحريم استخدام أسلحة الدمار الشامل مثل السلاح النووي و السلاح الكيماوي و كذلك السلاح البيولوجي. وهناك اتفاقيات عديدة وقعت عليها دول العالم والتزمت بها حفاظا على الأمن والسلم الدوليين إلا هناك البعض من الدول لم توقع على هذه الاتفاقيات .
3. برتوكول جنيف في تحريم استعمال الغازات السامة و الخانقة و وسائل الحرب الجرثومية لعام 1925.
ومن المعلوم أن مجلس الأمن الدولي أدان النظام في العراق على استعماله السلاح الكيماوي ضد الشعب الكردي في مدينة حلبجة عام 1988 وذلك بموجب القرار الصادر في 26-8-1988 غير أننا نعتقد أن هناك قصورا في الجانب الإعلامي في إبلاغ الرأي العام العالمي عن جرائم ابادة الجنس البشريضد الشعب العراقي ويجب القيام بحملة كبيرة لتفعيل قضية محاسبة المجرمين وتقديمهم للعدالة الدولية إذ أن الكثير من الناس يجهلون الحقائق عن هذه الجرائم الخطيرة .
فبالاضافة الى استعمال السلاح الكيماوي ضد أبناء الجنوب في العراق و في تسميم الاهوار وتجفيفها أيضا عام منذ عام 1991 قام النظام بجريمة انتهاك حرمة الموتى حين ارتكب جريمة التخزين للسلاح الكيماوي في قبور النجف وكربلا وهي من الجرائم الدولية التي يجب محاسبة المسؤولين عنها حسب القواعد القانونية الدولية المتعارف عليها وذلك أمام محكمة خاصة جنائية دولية تشكل لهذا الغرض او امام القضاء الوطني و إيقاع الجزاء القانوني عليهم .
رابعا - نماذج من جرائم الحرب الدولية المرتكبة في العراق
1. جريمة إبادة الجنس البشري genocide
تعتبر هذه الجريمة من اخطر الجرائم الدولية التي ارتكبت في جنوب العراق وضد الشعب الكردي في كردستان العراق من خلال تطهير العرق الكردي جغرافيا , أي من المناطق الكردية , والإبادة الثقافية وفي سياسة تعريب الكرد على نحو ما بيناه , وكذلك ارتكبت هذه الجريمة ضد عرب الاهوار في جنوب العراق , مدينة العمارة و مدينة الناصرية و البصرة , ونفذت هذه الجريمة البشعة ضد الكرد و التركمان في محافظة كركوك أيضا و مازالت هذه الجريمة ترتكب يوميا من نظام صدام .ومن ذلك ايضا ارتكاب الجريمة ضد الكرد الفيلية والعراقيين المسفرين بسبب انتماؤهم للمذهب الشيعي .
2. إبادة الجنس البشري من خلال استعمال السلاح الكيماوي ضد الكرد و ضد الشيعة في جنوب العراق وفي الاهوار.وقد حصل ذلك في الأعوام 1988 و في 1991.
3. ضرب الأهداف المدنية بالصواريخ و الطائرات أو من خلال القصف المدفعي كما حصل مع القرى الكردية الآمنة و في أثناء الحرب ضد إيران التي بدئها النظام في العراق وكذلك ضد أبناء النجف وكربلا و البصرة والسماوة والديوانية والمدن العراقية الأخرى التي انتفضت ضد النظام عام 1991 .
4. دفن البشر وهم أحياء . فلقد قام نظام الرئيس صدام بدفن مئات الألوف من الكورد ومن العرب والتركمان وهم أحياء في كردستان العراق و في النجف و كربلا و البصرة والعمارة و السماوة وغيرها من المدن العراقية . وتعد هذه الجريمة من جرائم الحرب الخطيرة ضد الشعب العراقي ولا يمكن أن تسقط بالتقادم مهما مر من الزمان وان الفاعل لها يعد مجرما دوليا عاديا و لا يمكن أن يتذرع المجرم الدولي بأنه ارتكب جريمته للأغراض أو بدوافع سياسية .فالمجرم الدولي ليس مجرما سياسيا ولا يمنح حق اللجوء السياسي مطلقا مهما كان منصب الفاعل دستوريا وقانونيا .
5. جريمة إعدام الأسرى . تنظم شؤون أسرى الحرب اتفاقيات دولية محددة , وللأسير حقوق واضحة وثابتة لا يمكن إغفالها مطلقا ولا يجوز مثلا انتزاع الاعتراف من الأسير بالقوة أو إعدامه أو قتلة أو إهانته .ولذلك يعد إعدام الأسرى أو دفنهم وهم أحياء جريمة دولية طبقا لقواعد القانون الدولي وان هذه الجريمة هي من جرائم الحرب و أن الفاعل لها هو مجرم حرب يخضع للمحاسبة .
6. جريمة تعذيب الأسير في الحرب أو انتزاع الاعتراف بالقوة منة .
7. جريمة اغتصاب النساء .وقد ارتكبت هذه الجريمة ضد الشعب الكردي في منطقة كردستان وكذلك في دولة الكويت ضد الشعب الكويتي أثناء الاحتلال .
8. جريمة زرع الألغام ضد البشر . وقد قام نظام حكم الرئيس صدام بزرع اكثر من 10 مليون لغم ضد البشر في منطقة كردستان ضد الكرد .
ومن المعلوم - طبقا لقواعد القانون الدولي - أن مرتكب الجريمة الدولية لا يجوز منحة حق اللجوء مهما كان نوعه , لجوءا سياسيا أم لجوءا إنسانيا , فلا يجوز منحة حق اللجوء السياسي لأنة ليس سياسيا ولا تعد جريمته المرتكبة جريمة سياسية , و لايمكن أن يمنح حق اللجوء الإنساني لانه مجرم عادي مطلوب للعدالة ولابد من محاسبته أمام القانون عن الجرائم التي ارتكبها وفي أن ينال الجزاء العادل الذي يستحقه قانونا وتقع على المجتمع الدولي الحد من ظاهرة الافلات من العقاب .
ثم أن هذه الجريمة لا تسقط بالتقادم مطلقا , أي لا تسقط بمرور الزمان و إنما تبقى الجريمة قائمة وثابتة على الفاعل ولا يستطيع أن يتخلص منها بحجة مرور الزمان - وهذا ما حصل بالنسبة إلى دكتاتور تشيلي السابق (بي نوشيه ) وكما وقع مع دكتاتور صريبا ( سلوبودان ميلوسوفتش ) , كما أن مرتكب الجريمة الدولية لا يعفى من المسؤولية حتى ولو كان يشغل منصب رئيس دوله طبقا إلى اتفاقية عام 1970.
ونشير هنا إلى دور الصليب الأحمر ( اللجنة الدولية ) في المبادرة لتدوين قواعد القانون الدولي الإنساني أي في وضع قواعد قانونية في أثناء النزاعات المسلحة تهدف إلى حماية الإنسان كما بادرت إلى تدوين قواعد القانون الدولي الإنساني وتحت اتفاقية جنيف في 12-8-1949 واتفاقية لاهاي 1899 و 1907 وبرتوكول جنيف 1925 .
وللصليب الأحمر الدولي دوره في حماية القواعد الأساسية لحقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة وهي مثلا :
عدم جواز مهاجمة الأشخاص من الأبرياء الذين لم يدخلوا النزاع المسلح وهم ( المدنيون ).
حظر قتل أو جرح العدو الذي يستسلم أو يصبح عاجزا عن القتال ومعاملة أسرى الحرب بصورة إنسانية .
رعاية الجرحى والمرضى و معالجتهم طبيا حسب الأصول .
صيانة الحقوق البشرية الأساسية للأسرى .
تمتع جميع الأشخاص بالضمانات القانونية في محاكمة عادلة عن الاتهامات بارتكاب الجرائم .
ليس لأي طرف في النزاع حق مطلق في اختيار أسلوب الحرب أو السلاح الذي يستخدمه أو في استعمال شارة الصليب الأحمر للأغراض العسكرية .
حظر سلب أو نهب أو سرقة الممتلكات أو اعتبارها غنائم حرب .
وللأسف فان جميع هذه القواعد الأساسية لم تحترم من النظام في العراق لا في أثناء الحرب العراقية الإيرانية ولا في أثناء قمع الانتفاضة في كردستان و جنوب العراق ولا في دولة الكويت .
خامسا - الجرائم ضد السلم Crimes against peace
من المعروف أن للإنسان حقوق ثابتة وقت السلم أيضا وهذه الحقوق محمية بموجب الصكوك الدولية وبخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان , وهذه الحقوق تشمل الحقوق المدنية و الحقوق السياسية ( الحق في الحياة والحق في حرية العقيدة و الحق في السلامة الجسدية …) وكذلك له من الحقوق الاقتصادية و الحقوق الاجتماعية و الحقوق الثقافية ( الحق في العمل والحق في التعليم والحق في الصحة والحق في الغذاء و الحق في الثقافة ..).
بناء علية فان أي اعتداء على هذه الحقوق يشكل خرقا لقواعد القانون الدولي وتعد الجريمة دولية يحاسب الفاعل عنها وتعد جرائم مخلة بسلم الإنسانية . على أن هذه الجرائم قد ترتكب وقت الحرب أو في زمن السلم وهي جرائم ضد وجود البشر و وضد حقوقه ويمكن ذكرها على النحو التالي:
أي عمل من أعمال العدوان مثل أعمال التخطيط لغرض إلحاق الأذى بدولة من الدول , ومثال ذلك أعمال التخطيط في احتلال دولة الكويت عام 1990 وكذلك أي حرب تنتهك المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية أو الضمانات الدولية أو الإعداد لهذه الحرب أو الشروع فيها أو شنها .
الاشتراك في خطة أو في مؤامرة مشتركة لغرض إنجاز أي من هذه الأفعال العدوانية المذكورة .
جريمة ضم إقليم تابع لدولة من الدول بالقوة وهو تابع إلى دولة أخرى .
سادسا - الجرائم ضد الإنسانية Crimes against Humanity
اعتبر مجلس الفاتيكان هذه الجرائم موجه ضد الله والإنسان على أساس إنها جرائم تنتهك حقوق الإنسان . وقد حددت هذه الجرائم مبادئ محكمة نورمبرغ في إنها تعد جرائم دولية ترتكب عمدا ضد الإنسانية وهي بمثابة جرائم كبرى وخطيرة يعد فاعلها مجرما دوليا خطيرا , و مثال ذلك قتل السكان المدنيين أو إبادتهم بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو المذهب أو غير ذلك وكذلك جريمة نفي السكان المدنيين ومثال ذلك عمليات تهجير مئات الآلاف من العراقيين بعد إسقاط الجنسية عنهم بحجة انهم من التبعية الإيرانية وكذلك عمليات تهجير الكرد من مدينة كركوك و المناطق الحدودية الأخرى وجريمة الأنفال الخطيرة و كذلك جريمة تدمير اكثر من 4500 قرية يسكنها الكرد بحجة إنها تقع على الحدود العراقية - الإيرانية .
وتعد من الجرائم ضد الإنسانية ممارسة الاضطهاد الديني ضد المواطنين وكذلك تسميم الاهوار في جنوب العراق و التدخل في الشؤون الداخلية للدول .
ومن الجرائم ضد الإنسانية قتل أفراد الجماعة العرقية أو الدينية أو القومية مثل اغتيال رجال الدين الشيعة في النجف وكريلا ومن هؤلاء مثلا جريمة اغتيال عدد من رجال الدين من أسرة السيد الحكيم و عدد من أسرة السيد بحر العلوم وجريمة اغتيال أية الله ميرزا الغروي و الشيخ مرتضى البرجوردي والسيد آيه الله محمد صادق الصدر والسيد محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى و أبناء السيد أبو القاسم الخوئي و علماء آخرين غيرهم وكذلك تعمد خلق ظروف معاشيه صعبة لغرض إبادة شعب من خلال سوء التغذية و تعقيم البشر و جريمة الإيذاء الموجه ضد المشاعر و الأحاسيس .