صدام و العرب
موقع محيط الاخباري استضاف الدكتور/محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في صحيفة الأهرام للاجابة على اسئلة القراء حول "العرب وامريكا والقمة العربية " .
صدرت لك في عام 92 دراسة عن مستقبل النظام العربي في أعقاب حرب الخليج ، ودراسة أخرى عن العالم العربي والتغيير في النظام الدولي ، فإذا ما جمعنا بين المتغيرين " حرب الخليج و تغير النظام الدولي " ، هل تعتقد أن أوضاعنا الحالية هي محصلة لتأثير الأمرين ، وإذا كان ذلك صحيحا ، فما هو دور التطور الطبيعي داخل الدول العربية ، وأين هو عنصر الإرادة المستقلة لحكومات وشعوب تلك الدول ، والى متى سنبقى ريشة في مهب التغيرات الخارجية والإقليمية ؟
محمد السيد سعيد :
أشكر للأستاذ إسلام جمال متابعته لدراساتى وكتبى ودقة السؤال ورجحان العقل ، الأوضاع الحالية هى نتيجة للتغير الحادث فى النظام الدولى وما أحدثته حرب الخليج الثانية من نتائج ولكن من المثير أن كتاب " مستقبل النظام العربى " تنبأ بانه لن يكون من السهل نشأة النظام الشرق أوسطى ولم يحدث أن أمكن إعادة تأسيس الوضع العربى بصورة محددة ، وما حدث هو استمرار فراغ القوى فى النظام العربى والفوضى فى العلاقات العربية مما أسهم فى نشوء الأزمة الأخيرة ، وقد سبق أن قلت فى كتاب " أزمة الخليج " أننا إن لم نتدخل بقوة كعرب لحل هذا الموقف الملتهب الذى ترتب على حرب الخليج الثانية فمن الممكن أن يكون هناك أزمة جديدة سوف تشتعل لأن كل العناصر الأساسية والملتهبة فى الأزمة لم تحل وبالتالى ستكون هناك فرصة للاستمرار ومزيد من التداعيات السلبية لأننا تنازلنا طوعا عن دورنا فى التأثير على أزمة الخليج للتأثير فى العناصر المؤثرة وتركنا الولايات المتحدة الأمريكية تنفرد وحدها بفرض أفكارها وسياساتها الخاصة فى التعامل مع العراق وإيران فى أعقاب حرب الخليج الثانية وفشلنا فى إعادة إدماج العراق فى النظام العربى ومن ثم فى النظام الدولى مما أدى إلى إعادة تفجير الموقف الملتهب بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية وبالتالى بين الأمم المتحدة والعراق .
وتهافت القوة فى النظام العربى واضح للغاية لأن الدول العربية لا تملك حقيقة أوراقا قوية لأنها دول مصممة دستوريا وقانونيا وسياسيا للهيمنة والسيطرة العنيفة على شعوبها وليس للدفاع عن حقوقها الجماعية فى العالم خاصة الدفاع الفعال عن النفس ، وهناك مشكلة بنيوية هيكلية فى تكوين المجتمع والدولة العربية ، وكافة الإشكاليات الكبرى داخل هذه الدول لم تحسم ونحن فى واقع الأمر فى مأزق حضارى أخلاقى ثقافى سياسى أعمق بكثير من أى أزمة وهو يظهر دائما فى كل الأزمات وسوف نبقى فى مهب رياح التغير فى السياسة الدولية طالما لا نملك الحد الأدنى من عناصر القوة وصحة اختياراتنا فى الواقع العالمى .
أشرف ماهر - شيكاغو ( الولايات المتحدة ) ، أحمد أبو العينين - مصر
ماهو مدى تأثر العالم العربي بالحرب على المستوى الاقتصادي والسياسي ؟
محمد السيد سعيد :
الواقع هناك مبالغة شديدة فى الحديث عن الآثار السلبية للحرب الأمريكية المتوقعة على العراق وهناك تركيز على الآثار الاقتصادية وتهميش للنتائج السياسية ، الحرب قد لا تكون بهذا الحجم المهول الذى يتم ترديده ربما يكون هناك تأثر بالنسبة للطلب العراقى على السلع القادمة من بعض الدول العربية خاصة مصر وربما يكون هناك مشكلات تتعلق بإلغاء عقود استيراد ،
واحتمالات لانخفاض مرور السفن فى قناة السويس ولكن هذه الآثار مجتمعة قد لا تستمر لأكثر من عدة أسابيع قليلة لأن أقصى مده للحرب المتوقعة كما يقول الخبراء لن تمتد لأكثر من شهرين وعلى الأرجح أنها قد تحسم فى العشر الأيام الأولى من بدءها ولكن الآثار المترتبة على الحرب ستمتد لآجال غير معلومة ، وهناك آثار سريعة منها إلغاء العقوبات والقيود على الصادرات العراقية على النفط ، وحشد موارد ومساعدات من مصادر ودول شتى لإعادة الإعمار وسوف تحرص الولايات المتحدة على تجنب ضرب البنية التحتية والمرافق ذات التأثير على حياة الشعب العراقى لإعطاء نموذج مقبول للشعوب الأخرى عندما تريد إحداث تغييرات فى الأنظمة الحاكمة فى دولها وإحداث تحول اقتصادي سريع فى العراق حتى يمكن أن يستوعب ما يقارب ثلاثة ملايين عراقى يعيشون خارج العراق وقد يرغبون فى العودة إلى بلادهم 0
وسيكون هناك طلب متزايد على أيدى عاملة رخيصة فى مشروعات إعادة الإعمار ومن المنتظر أن يكون السحب من العمالة المصرية بصفة أساسية مما يترتب عليه خلال السنوات المقبلة تجمع أكثر من مليون مصرى فى العراق ، وبدء ضخ تحويلات قد تكون مهمة للاقتصاد المصرى فالجانب الاقتصادي ليس مخيفا فى تقديرى وأغلب الدول تبالغ فى تقدير قيمة خسائرها المتوقعة نتيجة الحرب للحصول على تعويضات من الولايات المتحدة ، أما عن المستوى السياسى فالأمر مختلف تماما فمن يقرأ الوثائق والتصريحات الأمريكية فى أهداف حربها ضد العراق تتفق جميعها على نقاط أساسية منها أن المقصود ليس العراق وحده وإنما المقصود عددا آخر من الدول العربية وأن التركيز سيكون على السعى لإحداث تغيير على الهياكل الثقافية والسياسات التعليمية فى دول المنطقة وبكل تأكيد إزالة أو تحجيم بعض المسئولين والآثار السياسية ستكون واسعة المدى وعميقة والسقوط المتوقع للنظام العراقى سيسبق سقوط عدد آخر من الأنظمة العربية ليس بالضرورة عن طريق الحرب ولكن بالوسائل السياسية والخطوة التالية ستكون لبنان وحزب الله.
إسلام محمود ـ مصر
ما هو تعليقك على نظرية وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بشان " الدولة السحرية " فيما يتعلق بموقف الدول الخليجية من تأييد الحرب الأمريكية ضد العراق ، والتي تتركز حول أن الكل موافق ما عدا واحدة ، وهو ما يتيح لحكومات تلك الدول أن تزعم أنها تلك الدولة الرافضة
محمد السيد سعيد :
من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت فى نشر قوات لها فى دول مجلس التعاون الخليجى الخمس بخلاف المملكة العربية السعودية ( قطر ـ البحرين ـ الكويت ـ الإمارات ـ وعمان ) والدولة التى كانت ترفض الحرب هى المملكة العربية السعودية ولكن موقفها تغير خلال الأسابيع الماضية وخفت هذه المعارضة إلى حد كبير رغبة فى أن يكون لها دور فى الأحداث بعد الحرب .
وائل محمد ـ اليمن
أستاذي العزيز في حاله إجماع الدول على الرفض التام لضرب العراق واتخاذ إجراءات معاديه لسياسة الأمريكية تجاه العراق هل من الممكن أن تتراجع _أي أمريكا_ولو لفترة طويلة لإقناع الدول المعارضة لضرب العراق .
محمد السيد سعيد :
أظن أن هذا السؤال جاء متأخرا لأنه لو كان هناك إجماع عربى قوى لكان تم في قمة بيروت الماضية ولكانت الولايات المتحدة الأمريكية توقفت عن مشروعها للحرب ضد العراق ، وبعض الدول العربية ترى أن الدور قادم عليها بعد العراق لذلك وافقت على تقديم التسهيلات للولايات المتحدة للإفلات من الضربة الأمريكية المحتملة ضدها والبعض الآخر من هذه الدول وافق على ضرب العراق ولو سرا طمعا فى ألا يتم استبعاده فى أى ترتيبات إقليمية بعد الإطاحة بنظام الرئيس العراقى صدام حسين وبين هذين الاعتبارين جاء الرد العربى على الولايات المتحدة الأمريكية ومشروعها للحرب ضد العراق ضعيفا وباهتا وعلى سبيل المثال فإن سياسة قطر القائمة على منح قواعد عسكرية للولايات المتحدة على أراضيها يقف وراءها رغبة قطر فى منع أى عدوان من جانب المملكة العربية السعودية عليها .
أما موافقة الكويت على تواجد القوات الأمريكية على أراضيها فهى رغبتها فى إزاحة النظام العراقى بأى ثمن
نجلاء أحمد زايد ـ مصر
هل ستأتى القمة العربية بشىء ايجابى ؟
محمد السيد سعيد :
الدول العربية كانت تستطيع وقف الحرب وكانت آخر فرصة لهم هى قمة بيروت الماضية حيث كانوا يستطيعون الوقوف وقفة قوية ضد رغبة الولايات المتحدة فى شن الحرب على العراق وإيصال رسالة لها أنها لن تجد حلفاء لها من العرب فى تلك الحرب وعدم السماح لها بضرب العراق من أراضيها .
وكان ذلك كافيا لإثناء الإدارة الأمريكية عن مشروعها فى ضرب العراق لكن الآن أصبح الوقت متأخرا للوصول إلى هذه النتيجة بعد أن حدث تصدع كبير فى الموقف العربى واستقبلت العديد من الدول العربية القوات الأمريكية على أراضيها وبعض هذه الدول ينفى وجود تلك القوات على أراضيها مثل الأردن التى استقبلت بالفعل عدد من هذه القوات ولو اتفقت الدول العربية منذ البداية على تطبيق اتفاقية الدفاع العربى المشترك الصادرة عام 1950 لكان الوضع تغير كثيرا فى اتجاه منع الحرب على العراق والقمة العربية المقبلة ليس فى وسعها فعل الكثير واقصى ما يمكن أن تصل إليه هو تشكيل وفود لزيارة العواصم الأوربية والأمريكية للمناشدة فى وقف الحرب .
سؤال : على أحمد ـ العراق
ماهو موقفك من القضية العراقية ؟
محمد السيد سعيد
الموقف من القضية العراقية موقف معقد فهذه القضية تشتمل فى أحد جوانبها على النفوذ والتواجد الأمريكى فى المنطقة وأنا أرفض السياسة الأمريكية تجاه العراق والحرب الأمريكية ضد العراق غير مبررة على الإطلاق لأن خسائر الحرب لن يتحملها سوى الشعب العراقى المحاصر ولكن القضية العراقية إلى جانب ذلك تشتمل على وجود نظام حاكم مدمر على كل المستويات ارتكب جرائم رهيبة وبالتالى لدينا حلقة تشبه حالة بول بوت فى كمبوديا وهو الرجل الذى تخلص من ثلث شعبه وهو ما فعله صدام حسين تقريبا فى الشعب العراقى والذى أهدر أى إمكانية لقيام نظام إقليمى عربى وإسلامى يعالج الأوضاع التى ترتبت على كامب ديفيد م 1979 صدام قام بتصفية نصف أعضاء اللجنة المركزية لحزب البعث الذين كانوا يرغبون فى وضع ميثاق الرخاء مع سوريا موضع التطبيق باعتبار أن قيام تحالف سورى عراقى سعودى كان كفيلا بتصحيح الأوضاع التى ترتبت على زيارة أنور السادات للقدس وتوقيع معاهدة كامب ديفيد وبعد ذلك دخل فى حرب مدمرة مع إيران ثم بعدها مع الكويت ومزق العالم العربى والحق به دمار مروع ، أمامنا حالة مزدوجة عدوان أمريكى على شعب العراق ولكن لدينا على الجانب الآخر من الصورة نظام على جانب كبير من الإجرامية والغباء تسبب فى تدمير العالم العربى وإيران وعلينا أن نطلب وقف ضرب الشعب العراقى وأن يتم التخلص من نظام صدام حسين بكل جرائمه على أن يتم ذلك من خلال الشعب العراقى نفسه وليس بقوة أجنبية خارجية