صدام و أمريكا
كان عنوان "ندوة الأهرام" الذي حملته بطاقات الدعوة للمشاركة فيها هو "العرب وأميركا.. علاقة حوار.. أم تبعية"؟ وبقدر ما حملت هذه الكلمات من قسوة أو صدمة.. بقدر ما عبرت عن المرارة التي يفرزها التحليل السياسي الموضوعي لممارسات الادارة الأميركية الجديدة وآخرها الضربة الجوية للعراق (الجمعة 16فبراير 2003). فلقد كان الظن ان هذه الادارة تتمتع بميزة انها جاءت متحررة من وهم تأثير اللوبي الصهيوني على انتخابات الرئاسة إذ كان هذا اللوبي يقف إلى جانب آل غور ضد جورج دبليو بوش.. كما تتمتع بميزة أخرى هي تراكم خبرة من ادارة الرئيس جورج بوش الأب ووجود أركانها في الادارة الحالية مثل نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الخارجية كولين باول وغيرهما فضلاً عن انتقال الخبرة من الأب إلى الابن.. ورغم ان ثمة آراء توقعت توجيه ضربة للعراق استمراراً ـ أو تجديداً ـ للثأر بين بوش والرئيس العراقي صدام حسين. إلا انه لم يكن متوقعاً ان تجيء هذه الضربة في هذا التوقيت بالذات.. ما يجعل لها معنى ـ أكبر وأعمق من مجرد ضرب مواقع عراقية ـ إذ لابد وأنها رسالة متعددة الأهداف والأغراض، مرتبطة بتوقيتها.. فهي قد جرت بعد وخلال سلسلة زيارات إلى العراق قامت بها وفود عديدة، رسمية وشعبية، عربية وأوروبية ـ فهل تريد الرسالة القول انها لا تبالي بكل هذا وان أي علاقة.. مع بغداد لابد ان تمر أولاً بالولايات المتحدة؟ ـ وهي قد جرت أيضاً وسط موجة من النشاط الذي يستهدف المصالحة العربية ـ فهل تريد افشالها؟ ـ كما انها جاءت قبل القمة العربية قبل زيارة كولين باول للمنطقة فهل تريد التذكير بقوة الولايات المتحدة وفرض هيبتها.. وتوضيح أن الخطر في الشرق الأوسط هو "صدام حسين".. وليس "شارون!" وان قضية العراق لها الأولوية وليس السلام بين العرب و(إسرائيل)! ومع أهمية هذه الرسالة.. فإنه من المحتم أن يكون هناك رد عليها.. لأن العلاقة بين العرب وأميركا لا يمكن أن تكون "تبعية" وإنما "حوار".. فالطريق من اتجاهين وليس ولا ينبغي أن يكون أبداً.. باتجاه واحد!
* محمود مراد: بعد هذه المقدمة.. فإن تحركنا العربي لا يجب أن يكون رد فعل للسياسة الأميركية، وإنما ينبغي أن يكون، مبادراً بالفعل.. لكي تكون العلاقة.. هي علاقة حوار حقيقي.. مؤسسة على ثوابت ومتغيرات.
* محمد سيد أحمد: ابدأ بعملية ضرب العراق قبيل وصول كولين باول لدول المنطقة.. وهذه في حد ذاتها ظاهرة تلفت النظر، فهل كانت هناك مبررات قهرية لضرب العراق؟ من الواضح انه لم يكن هناك مبرر.. والادعاء بأنها عملية روتينية.. مضحك حتى ان صحيفة "نيويورك تايمز" قالت ان هذه الضربة لم تكن روتينية اطلاقاً ولكنها عملية استثنائية.
ونفس الصحيفة قالت انه لم تكن هناك دواع لهذه الضربة وانها كانت مفاجئة. إذن فالعملية سياسية.. ومقصود ان تتم قبل وصول وزير الخارجية كولين باول إل المنطقة لكي تحدد واشنطن.. مواقع تحركها؟ ولذلك يصبح السؤال: هل صدام حسين هو المشكلة الرئيسية في الشرق الأوسط أم ان شارون هو المشكلة" وهل الادارة الأميركية التي ترغب في أن ترث دبلوماسية كلينتون تريد أن تفتتح دبلوماسية أخرى من مواقع أخرى بعيداً عن الصراع العربي الإسرائيلي؟
هل يمكن القول ان هذه الضربة تعني ان المدخل هو صدام حسين ولذلك عندما يأتي كولين باول ويتحدث مع أطراف المنطقة سيكون كلامه عن صدام حسين، وليس عن شارون أو الصراع العربي الإسرائيلي أو الحاجة إلى استئناف مفاوضات السلام. وان هذا هو السبب في توجيه الضربة بسرعة رغم أن الادارة الأميركية جديدة لم ترتب أوراقها بعد!
إنني أرى ان تفسير هذه العملية هو ان الادارة الأميركية.. لا تريد أن تنطلق من أن شارون هو المشكلة الأكبر في المنطقة وإلا فسوف تجد نفسها في خط دفاعي، ومضطرة لأن تأخذ موقفاً من شارون، في حين انه يريد أن يفتعل مشكلة أخرى، يستند فيها إلى حسابات سابقة في الادارة الأميركية في عهد بوش الأب.. وتريد تسويتها مع العراق!
بالاضافة إلى هذا فنحن الآن بصدد حكومة شراكة في (إسرائيل) ومن الأمور المهمة ان تأخذ موقفاً قومياً عربياً تجاه (إسرائيل). وفي حاجة إلى موقف قوي من الجامعة العربية، ويعد اختيار عمرو موسى، أميناً عاماً للجامعة عنصراً مشجعاً لهذا التطور.
لقد طرحت الادارة الأميركية ـ بهذه الضربة ـ مشكلة فيما بين العرب، ولم تطرح المشكلة الإسرائيلية، ويجب أن نعرف أنه برغم ان بوش ليس مديناً بصوت واحد أو بأصوات ذات قيمة لليهود.. إلا ان هذا لا يعني انه سيكون بشكل مباشر مع الجانب العربي.
لذلك أقول ان هذا يدعونا لأن نؤكد للادارة الأميركية ان هذه الضربة للعراق لا ترضى عنها مصر ولا سورية ولا الأردن، ولا أي بلد عربي، ويجب التأكيد على اننا لا نقبل ان يدخل باول من باب العراق، فهذا ليس طبيعياً، وإنما الطبيعي هو ان يدخل من باب إسرائيل.
وأريد القول ـ أخيراً ـ ان هناك وجه شبه بين خط شارون ـ الذي فرض الأمر الواقع بالقوة أو التهديد بها ـ وبين منطق بوش في موضوع الصواريخ الباليستية.. وهذه مسألة مهمة يمكن ان تلعب فيها دوراً.. وأكرر ان الدخول من باب العراق مسألة لا تطمئن، وينبغي أن يكون لنا فيها استراتيجية واضحة.واشنطن والنظام العالمي
* الدكتور عبدالمنعم سعيد: هل هذا السؤال عن طبيعة العلاقة مع أميركا مطروح على العالم كله وهل هو: حوار أم تبعية.. كما يمكن ان نضيف ان تكون علاقة شراكة.. أو.. مواجهة؟
ان الموضوع يمكن النظر إليه بمنظار الولايات المتحدة في النظام العالمي فهي تنتج 28% من الناتج الاجمالي العالمي وهي الوحيدة التي لها نظام عالمي كوني عسكري. وبالنسبة للعرب.. فهل هم حالة خاصة أم مثل بقية الدنيا؟
نقطة ثانية: هي ان هناك علاقة عربية أميركية موجودة بالفعل في الواقع نتيجة تطورات في النظام الدولي ونتيجة آلية في تطور العلم والتكنولوجيا.. ثم وبالنظر إلى الواقع الموجود أرى ان لدينا في العالم العربي علاقة مع الولايات المتحدة أرقى بكثير من الحوار، فإن مصر ودول الخليج وفلسطين والمغرب والجزائر وتونس والأردن تدخل في حوار وما هو أكثر منه.
وهناك كتلة من الدول العربية خارج هذا الموضوع وهي العراق وسورية ولبنان وليبيا إذ تتسم علاقاتها مع أميركا بالتوتر والمواجهة.. ولكن هناك عنصراً مهماً جداً في هذه العلاقة أيضاً، وهي انه على مستوى الشارع العربي وعلى مستوى كثير من النخبة العربية فإن العلاقة هي "مواجهة" مع الولايات المتحدة!
أما بالنسبة للوضع الراهن وما ذكره الأستاذ محمد سيد أحمد عن زيارة كولين باول، فإنني أرجع إلى الكتلة العربية الرئيسية التي شاركت الولايات المتحدة في حرب الخليج حيث كان هناك تفاهم بأن التعامل في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي يتزامن مع موضوع العراق.. أو ان يكونا بشكل متتابع ـ ولذلك فإنه بعد تحرير الكويت بدأت عملية السلام في مدريد.
وفي تصوري فإن الولايات المتحدة قد شاهدت تفكك التحالف العربي الذي كان معها.. وبدأت الدول تفتح علاقاتها مع الشعب العراقي فبرز سؤال هو: هل الدول العربية التي تؤكد على ان الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.. لها الأولوية، هل لاتزال تريد ذلك مع فتح موقفها مع العراق؟ هنا اعتقد انه سيكون هناك نوع من الحوار الاستراتيجي الجاد للغاية.
بالاضافة إلى هذا الموضوع الجوهري الاستراتيجي، فإنني أرى أن هناك مجموعة رسائل مهمة للضربة الجوية للعراق.. منها رسالة ليست لنا فقط بل أيضاً للأوروبيين ولكل من فتح على العراق.. وهي ان الولايات المتحدة تعتبر ان هذا الموضوع.. حيوي، وان الذي يريد علاقات واستثمارا مع العراق فإن هذا سيتم بينما الولايات المتحدة تضرب العراق!
* الدكتور حسن نافعة: ان ما نريد قوله، ويستوعبه العقل العربي، هو انه في أي نظام دولي قائم على بنية هرمية معينة تبرز دولة لها قدرات معينة تؤهلها لقيادة النظام الدولي، وهناك قوى أخرى تقل في قدراتها بدرجات متباينة وبالتالي فإن تحديد العلاقة بين رأس النظام الدولي وبين القوى الأخرى تكون متباينة ومتدرجة من الحوار والتبعية..
لذلك وحتى نفهم النظام الدولي والعلاقات الدولية على حقيقتها يجب أن ننظر إلى الموضوع، ولكن القضية.. من أي زاوية تنظر؟.. هل انت تنظر من زاوية الولايات المتحدة الأميركية.. ودوافعها وكيفية ادارتها للعلاقة مع الآخرين.. أم تنظر من الجهة المقابلة؟ فمثلاً.. كيف تدير مصر علاقتها مع الولايات المتحدة، وكيف تدير سورية علاقتها مع الولايات المتحدة؟.. وهكذا.
وإذا دخلنا إلى الموضوع ولماذا اختارت الولايات المتحدة ان تبدأ بالعراق.. وما هي دوافعها والأهداف التي تتوخاها.. وماذا يتعين ان يكون عليه رد الفعل العربي؟ فإنني شخصياً لم افاجأ بما حدث وكذلك الأستاذ محمد سيد أحمد الذي قال في احد اللقاءات ان قراءة الخطاب الأميركي وخاصة خطاب بوش.. يشير إلى ان موضوع العراق يحتل مكانة مهمة بالنسبة لأولويات السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، أما لماذا تمت الضربة قبل زيارة كولين باول للمنطقة، فإن لهذا أغراضاً متعددة.. منها: اختبار صلابة الموقف العربي في قضية العراق، فهناك دول عربية كثيرة من الدول التي تحالفت مع الولايات المتحدة الأميركية في معركة تحرير الكويت ابتعدت بدرجات متفاوتة وأصبحت الآن تنظر إلى موضوع العراق على انه موضوع منته، وقد صرح الرئيس مبارك بأن العراق لم يعد يمثل تهديداً للمنطقة ولا للعالم.
وفي رأيي فإن الولايات المتحدة إذا أصرت على ان تضع موضوع العراق على جدول أولوياتها، وتجميد الوضع في الشرق الأوسط بما يراه شارون، فسوف تكون هذه كارثة بالنسبة للدول العربية.. تعني ان الولايات المتحدة قامت بهذه الضربة لخدمة الأهداف الإسرائيلية، لأن موضوع العراق داخل العالم العربي موضوع خلافي.. ونحن نستعد لمؤتمر قمة عربية سوف يعقد قريباً، وإذا انقسم العالم العربي الآن حول موضوع العراق، فمعنى ذلك انه يمكن ان تكون هناك شكوك حول انعقاد مؤتمر القمة، وحتى لو انعقد، ـ وإذا سبقته انقسامات عربية ـ فإنه لن يتخذ القرارات المطلوبة والمرجوة لمواجهة التحدي الخطير جداً، الذي يفرضه وصول شارون للسلطة.
قضية أخرى.. هي ان هذه الضربة تعطي لإسرائيل الفرصة لكسب الوقت لإعادة ترتيب البيت الإسرائيلي من الداخل حيث توجد الآن صراعات وانقسامات حزبية، واخشى ما أخشاه ان يكون هذا بداية لتوافق أميركي إسرائيلي بدفع المنطقة إلى التدهور!
و... ربما تكون الولايات المتحدة ـ وبالذات الادارة الجديدة ـ قد وصلت إلى قناعة بأن المفاوضات حول الحل النهائي قد أظهرت بما لا يدع أي مجال للشك ان التوصل إلى تسويات الحل النهائي تكاد تكون مستحيلة، بدون ضغط حقيقي وقوي على (إسرائيل).. بينما هي لا تريد ـ وربما لا تستطيع في الظروف الراهنة ان تمارس الضغط الذي يكفي لتسويات نهائية لقضايا معقدة مثل قضية القدس وقضية اللاجئين.
إذن فالحل هو تصعيد المشكلة العراقية.. وبالتالي الدخول في دوامة من الصراعات. ومن هنا فإن القضية على جانب كبير من الخطورة، وتحتمل ان نفكر فيها بعمق.
* محمود مراد: إذن.. يمكن القول ان هذه الرسالة الأميركية ـ من خلال ضرب العراق ـ رسالة مرفوضة؟
* الدكتور حسن نافعة: نعم.. وفي تقديري فإنه بقدر ما يكون الموقف العربي حاسماً وقوياً.. بقدر ما يكون رفض الدخول في تصفية الحسابات مع العراق والدخول في تحالفات.