مقتل حسين كامل
قبل دقائق من وصول حسين كامل وكريمتي الرئيس صدام حسين إلى أرض الوطن كانت قد وصلت إلى الحدود طائرة مروحية تحمل السيدة ساجدة خير الله طلفاح عقيلة الرئيس صدام حسين الأولى وأم كريمتيه العائدتين، يرافقها عدي صدام حسين، الذي كان السبب الأول في خروج حسين كامل من العراق، وعلى أثر خلافات حادة وتهديد عدي لحسين كامل بالقتل بعد تزايد نفوذه، شعر حسين كامل يومها بأنه لم يعد له مكان في السلطة وكان مجيء عدي إلى الحدود علامة أقلقت حسين كامل وأخافته، لما عرف عن عدي من ممارسات مجنونة وعنف واضح وعدم اتزان، وكانت قد وصلت أيضاً مجموعة من السيارات المحملة بفدائيي صدام ومنتسبي الحرس الرئاسي، ويبدو أن مهمتهم كانت هي التأكد من أن كل شيء سيجري مثلما يريد عدي، فقد أخذت الأم ابنتيها بالأحضان والبكاء وكذلك الأولاد ولم يتصافح عدي وأمه مع صهريهما وتمتم عدي بكلمات فهم حسين كامل منها التهديد والوعيد وأن مصيراً مجهولاً ينتظره وفكرصدام كامل بالعودة ثانية الى الأردن وقال لحسين كامل ألم أقل لك أنك تأخذنا إلى الموت، دعنا نعود من هنا، رفض حسين كامل وأصر على المواجهة مفترضاً أن ما قاله عدي يمثل موقفه الشخصي وإن الرئيس سيحترم توقيعه والعهد الذي قطعه بالعفو عنه .أخذ عدي أمه واختيه وأولادهما في الطائرة المروحية وترك حسين كامل وصدام كامل وعبد الحكيم كامل بمفردهم بسياراتهم، ويبدو أن تعليمات واضحة قد صدرت على الحدود بعدم السماح لهم بالخروج ثانية وبقى بعض فدائيي صدام والحرس الرئاسي في نقطة طريبيل الحدودية لإفشال أية محاولة قد يقوم بها حسين كامل وأخواه بالخروج من العراق بعدما لاحظوا الأجواء التي قوبلوا بها عند الدخول.
في الصحراء الممتدة بين الحدود وبغداد اقترح صدام كامل على شقيقه الاكبر حسين أن يهربا عبر طرق البادية وقال له إنهم سيقتلوننا، وما دام الرئيس قد ترك حسم الأمور لعدي فإن الأشياء لن تكون على خير، وعدي سوف لن ينسى رفضك مقابلته لشقيقتيه عند مجيئه إلى عمان، أما في الطائرة فقد جرى عتاب بين عدي وأختيه وسألهما كيف رفضتا الحديث معه على الهاتف عندما حضر إلى عمان وهاتفهما بحضور الملك حسين..؟ أنكرتا معرفتهما بهذا الأمر ووضحتا أنهما كانتا أشبه بالمعتقلتين وممنوع عليهما استخدام الهاتف أو استقبال الزوار، وحتى الأميرات من الأسرة الملكية كان يسمح لهن بالزيارة وبمقابلتهن بحضور الأزواج وحاولتا بوسائل شتى أن يوصلا هذه المعلومات إلى السلطات الأردنية وربما قد تمكنتا من ذلك في وقت متأخر وتحدثتا عن الخدعة التي تعرضتا لها من قبل حسين كامل وكيف غرر بهما عندما غادروا العراق بحجة الذهاب للسياحة أو الإقامة المؤقتة في عمان لحين تسوية الأمور بشكل هادئ مع عدي عبر توسط الملك حسين، وأنهما لم تعرفا بقصة المؤتمر الصحفي إلا في وقت متأخر، وتدخل الأولاد يؤيدون كلام أمهما. قالوا أنهم منعوا من الذهاب إلى المدرسة واللعب مع أحد.. وإن أقصى ما أتيح لهم اللعب معهما هما كلبان صغيران طلبهما الأب من ألمانيا.. وإن الأولاد كانوا أشبه بالمحتجزين..!!
واشتاط عدي غضبا وتوعد وحاولت زوجة صدام أن تقول أن زوجها لا علاقة له بكل هذه القضية وأنه أيضاً أرغم على كل ما جرى لكن عدي لم يقتنع بهذا الكلام وقال كان بإمكانه أن يتصل أو يتمرد أو يرفض المؤتمر الصحفي أو يحرركما من قيود الاقامة الجبرية وقالت زوجته انها كانت تخرج معه وإنها ليست مقيدة بالمفهوم المطلق كما هو حال أم علي - تقصد زوجة حسين كامل -، لكن لم يكن بمقدورها أن تعود الى العراق أو تتصل بأهلها..
كان الطريق الى بغداد طويلاً، هبطت الطائرة على سطح احد القصور ومن هناك انتقلوا بالسيارات الى حيث كان الرئيس صدام حسين ينتظر في أحد المواقع السرية..أما حسين كامل وأشقاؤه وشقيقته أم عمر زوجة عز الدين وأطفالها الخمسة فقد ذهبوا الى منزل يملكه الأب في منطقة - السيدية - أحد أحياء مدينة بغداد الواسعة وهناك كان بانتظارهم والدهم ووالدتهم، أما شقيقهم الآخر جمال فقد رفض الحضور للسلام عليهم وكان الأب قد ملأ البيت بالأسلحة وكان يعرف أن أشقائه الآخرين وأبناء عمومته ينوون قتل العائدين، وحاول بكل الطرق أن يثنيهم عن ذلك ولم يتمكن، وذهب لمقابلة الرئيس صدام حسين، الا أنه اعتذر عن مقابلته، وقام وفد من العشيرة يضم علي حسن المجيد عضو القيادة العراقية وعم حسين كامل وجمال مصطفى زوج حلا البنت الصغرى للرئيس صدام حسين، وثائر عبد القادر ابن عمة حسين كامل وزوج كريمة الرئيس الراحل أحمد حسن البكر، وعشرة أخرين يمثل كل منهم العوائل في الأسرة الحاكمة وقابلوا مجتمعين الرئيس صدام حسين وقال علي الذي يسميه العراقيون - علي كيماوي - لمسؤوليته المباشرة عن المجزرة التي تعرض لها الأكراد في مدينة حلبجة عندما قصفت بالسلاح الكيميائي وقتل فيها الآلاف من الأبرياء وأحرقت الأرض يوم كان هو مسؤولاً عن كل ما يتعلق بملف كوردستان العراق، قال علي للرئيس الذي هو ابن عمه في ذات الوقت، أنك عفوت يا سيادة الرئيس عن الجزء المتعلق بحق الدولة وعفوت عن الجزء المتعلق بحقك الشخصي لكننا لا نعفو عن حق العشيرة، فهذا جزء فاسد في العشيرة فما هو مصير الجزء الفاسد؟.
قال الرئيس تعلمنا أن الجزء الفاسد يبتر قبل أن يستشرى. وحق العشيرة مسؤوليتكم ولا أتدخل أنا فيما تريدون أن تفعلوا، لكنني أتمكن من منع أولادي من المشاركة المباشرة في أي عمل تنوون القيام به، فأنا حين أعفيت، أعفيت عن حقي وحق أولادي.
لقد فهم الزوار أنها مباركة وتأييد من الرئيس وعليهم أن يهيئوا أنفسهم للتنفيذ، وكانوا يدركون أيضاً أن حسين كامل ليس خصماً سهلاً وأنه سيقاتل وقال أحد الحضور للرئيس صدام حسين: سيادة الرئيس إنهما لازالا صهريك من الناحية القانونية والشرعية وليس بمقدورنا أن نقتلهما، فأمر الرئيس على الفور بأن يقوم حسين وصدام كامل بتطليق زوجيتهما لكي لا توصفا على أنهما أرملتي خائنين، واتفق الجميع على أن يطلب من قاضي بغداد الأول إجراءات مستعجلة لإجراء الطلاق بناءً على طلب خطي تقدمه كريمتا الرئيس صدام حسين. ووعد عدي الحضور أنه سيهيئ الطلبات..انصرف الجميع وعرفوا مهمتهم القادمة.
كان هذا يوم 20/2/1996م وكان حسين كامل ومن معه قد وصلوا العراق يوم 19/2/1996م، ذهب عدي إلى شقيقتيه وطلب منهما التوقيع على طلبات القاضي الشرعي لكي يتم الطلاق وأحضر عدي هذه الأوراق بعد أن وقعت الشقيقتان عليها، دون أي اعتراض، ويقال أن زوجة صدام كامل حاولت الدفاع عن زوجها ورفضت ما يجري وقالت افعلوا بحسين ما تريدون لكن صدام لا علاقة له بهذا، لكن الأوامر كانت حاسمة وعندما أفهموهما أن العشيرة ستقتلهما وأنهم لا دخل لهم في هذا، رفضت أم أحمد زوجة صدام وانهارت لكنها لم تستطع أن تفعل شيئاً.؟!
لقد تم استدعاء الأب من قبل أشقائه وطلبوا منه أن يذهب حسين كامل وشقيقه إلى المحكمة لتطليق زوجيتهما، رفض الأب، ولكنهم هددوه ومن ثم وعده أشقاؤه أن الطريقة الوحيدة التي يستطيع أن يحافظ بها على حياة ابنيه هي أن يقوما بتطليق زوجيتهما وهو وعد آخر قطعته العائلة وسينقض أيضاً.. وافق الأب وذهب إلى ولديه اللذين رضخا للأمر وصحبهما إلى حيث قاضي بغداد الأول عبد القادر إبراهيم الذي قام بالإجراءات القانونية والشرعية للطلاق.
أما على الجانب الآخر فقد شعر بالفزع كل من التقى بحسين كامل أثناء إقامته في الأردن وكنت أنا واحداً منهم وكان هذا الشعور يستند إلى عدة مخاوف أولها أن يستغل النظام عودة حسين كامل ويرتب معه مقابلة تلفزيونية يقوم خلالها بتلفيق قصص عنا نحن من عمل أو تعامل معه كأن يقول أننا طلبنا منه العمل مع هذه الجهة الأجنبية أو تلك أو أردنا إقناعه بتقسيم العراق أو علم بصلات لنا مزعومة مع أعدائنا بما يمكن النظام من إسقاطنا وطنياً في نظر أهالينا ومؤيدينا داخل العراق، وثاني المخاوف هو أن بعضنا قد أسّر حسين كامل بعلاقاته مع من هم لازالوا في داخل العراق، وجرى ذلك في جلسات تبادل معلومات وتقييم لمن هم لازالوا في خندق السلطة. فمثلما كنا نعرف من هم الذين اتصلوا بحسين كامل أو أرسلوا بعض من يثقون به إليه معلنين تأييدهم له، عرف حسين كامل بعض مناصرينا في مؤسسة الحكم، وكان يقلقنا أن حالة الإحباط التي يشعر بها حسين كامل من المعارضة العراقية التي دفعته للعودة إلى العراق ستجعله يقدم هذه المعلومات للسلطات العراقية ويتسبب بمجزرة كبيرة.
وخلال العودة، وقبل معرفة ما جرى في العراق، سألت مسؤولاً سوريا مهما، ماذا تفعل لو كنت أنت الرئيس صدام حسين قال: وأعتقد أنه كان في هذا الجواب ينهل من تراث بني أمية : سأقول أن خروج حسين كامل كان عبارة عن مسرحية وأنه قام بدور وطني لمعرفة مشاريع الأعداء ضد بلده وأيضاً في محاولة لاختراق المعارضة العراقية وتوريط أمريكا بمعلومات مشوهة لا أساس لها من الصحة وكنا نريد أن نعرف أعداءنا من أصدقائنا، وخاصة حقيقة الموقف الأردني الذي هو بوابة العراق الوحيدة إلى العالم، وحين انتهت مهمته عاد إلى الوطن، وقدم كل هذا الكم من المعلومات وسيكون من اليوم مسؤولاً عن أحد أجهزة الأمن المعنية بملف المعارضة العراقية والشؤون العراقية.
لكن من أين للرئيس صدام حسين، بردود فعله الغاضبة، هذه الحكمة والصبر التي لو كان لديه منهما، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، حيث ربع الشعب مهجّر في اتجاهات الأرض الأربعة تبتلع بعضهم حيتان البحار والوحوش الكاسرة في البحار التي يقطعوها بطرق بدائية بحثاً عن مكان يأويهم بأمان.
وقد لا تتوفر الفرصة في وقت آخر أن أشير إلى أن الصحفي رئيس تحرير جريدة البلاد الذي أقام الدعوى على حسين كامل بتحريض من المخابرات الأردنية قد اعتقل في عمان من قبل جهاز أخر هو جهاز الأمن الوقائي وأحيل إلى القضاء وجرت محاكمته علناً بتهمة استلامه أموالاً من المخابرات العراقية والتخابر مع دولة أجنبية، وأثناء المحاكمات وعند الدفاع عن نفسه طلب شهادة أحد ضباط المخابرات الأردنية الذي كان مسؤولاً عنه مدعياً أن صلاته مع المخابرات العراقية كانت بعلم المخابرات الأردنية وأنه وكيل معتمد لدى المخابرات الأردنية وقد حضر مندوب من المخابرات الأردنية وأعطى إفادة أيد فيها إدعاءات هذا الصحفي المخبر وأطلق سراحه، وهو ما يؤكد أن قصة الدعوى التي أقيمت ضد حسين كامل واعتبرتها السلطات الأردنية سبب المواجهة معه هي مفتعلة من قبل المخابرات الأردنية بهدف إبعاد حسين كامل الذي رفض تأييد مشروع الفيدرالية الذي تبناه الأردن كمشروع سياسي للعراق لما بعد الرئيس صدام حسين.