كان والد حسين كامل ووالدته قد صدّقوا إلى حد ما أن أولادهم قد أصبحوا بمأمن، لكنهم علموا بطريقة ما أن جميع مداخل بغداد وبواباتها قد وضعت تحت سيطرة جهاز الأمن الخاص وفدائيي صدام، وبدأ تفتيش دقيق للسيارات الداخلة والخارجة، وكان لدى نقاط التفتيش أوامر صارمة بمنع حسين كامل وأشقائه من مغادرة بغداد، وهذا ما يؤكد أن السلطة كانت جزءاً مما سيحدث لاحقاً أي أنهم ما كانوا يريدون له أن يخرج من بغداد، كأن يذهب إلى معقل أهله في قرية - العوجة - في ضواحي تكريت 160كم- شمال بغداد - في المساء طرقت بابهم سيدة مسنة كانت تسكن إلى جوار المنزل الذي يتواجدون فيه وقالت لوالدة حسين كامل التي تربطها بها علاقة جوار وصداقة تخبرها إن مفرزة من جهاز الأمن الخاص قد حضرت إليهم وأبلغتهم أن يخلوا المنزل خلال ثلاث ساعات وأن الدولة ستوفر لهم سكناً في أحد الفنادق إذا لم يكن لهم أقارب من الممكن أن يناموا عندهم هذه الليلة، وإن هذا الموضوع يتعلق بأمنهم وحمايتهم وافترضت السيدة أن الدولة ربما بصدد مهاجمة منزل عائلة حسين كامل ونصحتهم بالمغادرة. ولقد تم اخلاء الحي الذي يوجد فيه حسين كامل وأشقاؤه وشقيقاته ووالداه من السكان وانتشر في المنطقة أشخاص يرتدون ملابس سوداء وأقنعة لا تظهر من وجوههم غير العيون ومدججين بمختلف الأسلحة. كما ذكرنا فإن الوالد كان قد كدس أنواعاً مختلفة من الأسلحة وبعد أن عرفوا بما أبلغتهم به الجارة خرج الوالد للاجتماع مع أشقائه الذين هم أصغر منه سناً وأقربائه الأخرين الذين كان أغلبهم من أولاد شقيقاته، وسألهم عن الوعد الذي قطعوه من أنهم لن يصيبوا ولديه بسوء إن هما طلقّا زوجتيهما. قالوا له لم نتمكن فقد اتخذت العشيرة قراراً بقتل أولادك ولا يستطيع أحد إلغاء هذا الأمر غير - السيد الرئيس - صدام حسين.
ونحن نطلب منك أن تغادر المنزل أنت وزوجتك وبناتك وأطفالهن وعلى أولادك أن لا يحتمون بك أو بالأطفال، وإن أمر قتلهم قد اتخذ ولا رجعة فيه، أدرك الحاج كامل إن شقيقه علياً الذي بدأ حياته مساعداً في الجيش - نائب ضابط - وأصبح عضواً في القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة ويحمل رتبة فريق ركن وتبوء منصب وزير الدفاع، والمعروف بقسوته وميله للعنف الشديد، وحصل على كل هذه المواقع والامتيازات بسبب طاعته العمياء لابن عمه الرئيس صدام حسين وما عرف عنه من أنه كان يطلق الرصاص على رأس بعض المعتقلين عندما كان مديراً للأمن العام ويرديهم قتلى دون محاكمة.
أدرك أن لا فائدة من الحوار مع هذا الأخ وعليه أن يسعى لمقابلة ابن عمه الرئيس صدام حسين، فذهب إلى القصر الجمهوري وحاول التحدث مع كل من يعرفه من أقاربه الذين كان أغلبهم يتهرب من الحديث معه في تلك الليلة الحامية، لكنه لم يستطع الوصول إلى الرئيس صدام حسين، فتبين أن أغلب الذين أراد أن يوسطهم واسطة لتأمين مقابلته مع الرئيس وهم مرافقوه الشخصيون مثل ابن أخته اللواء روكان رزوقي أو ابن عمه شبيب كانوا مع القوات المتجمعة للهجوم على منزله. عاد إلى المنزل وأخبر أولاده بما جرى واتفق الجميع على المقاومة. نصبوا أسلحتهم فوق سطح المنزل. واتفقوا أن يكون لكل منهم دور في حماية المنزل من الهجوم المرتقب، مر الليل طويلاً ولم يأت أحد. لم ينم أو يأكل أحد حتى الصباح الباكر حيث قالت أم حسين كامل إلى أبنائها، طالما عاملني الرئيس بود واحترام وأنا من أسميت أولادي الكبير على اسم والده عندما مات والأصغر على اسمه يوم كان مطارداً من قبل السلطة ومشاكساً لا يستقبله أحد من أقربائه، فربما سيقابلني وأطلب منه التدخل لحمايتكم، ومنع ما يخطط له أعمامكم.
وعندما خرجت من المنزل شاهدت الحي وقد ازدحم بمختلف أنواع السيارات والأشخاص الملثمين استقلت السيارة بصحبة أحد السائقين وعند أحد الحواجز قال لها شخص من الملثمين يا عمتي إذا لم تستطيعي خلال ساعة أن تجعلي الرئيس يأمر بإيقاف الهجوم فسيقتل كل من في البيت.
شكرته دون أن تعرفه وقد خمنت أنه بالتأكيد أحد أقاربها. ذهبت إلى القصر الجمهوري. ووعدت بالمقابلة وكانت تنتظر التشريفات على أمل أن تحضر سيارة تقلها إلى أحد المواقع التي يتواجد بها الرئيس صدام حسين حيث لا يعرف مكانه إلا أقرب المقربين إليه. وفي هذه الأثناء وفي العاشرة صباحاً وقف علي حسن المجيد يتقدم أقاربه ونادى بمكبرات الصوت على شقيقه الحاج كامل أن يخرج من المنزل هو والنساء والأطفال وإلا سيقتل كل من في المنزل رفض الحاج كامل المغادرة وقال لهم سأموت مع أولادي فأعطوني فرصة لبعض الوقت لأن أم حسين ذهبت لمقابلة الرئيس وربما تحصل على عفو.
كان إلى جوار علي واحد من أكثر المتحمسين لقتل حسين كامل، وهو ثائر عبد القادر المجيد، وثائر هذا كان قد قال لي عنه حسين كامل يوم كنا سوية في عمان إنه قد أرسل رسالة إليه وأعلن عن استعداده وقدرته على اغتيال الرئيس صدام حسين إن طلب منه حسين كامل ذلك وفيما إذا رتب أوضاعه مع الدول الكبرى والإقليمية، ويبدو أن ثائراً كان خائفاً من أن تكون هذه المعلومة قد سربت أو ستسرب مما جعله يحاول أن يكون متحمساً وفي مقدمة المهاجمين للقضاء على حسين كامل.
لقد بدأ المهاجمون بإطلاق النار على المنزل الذي يضم كامل حسن المجيد وأولاده حسين وصدام وعبد الحكيم وابنته أم عمر زوجة عز الدين، الذي رفض العودة، وأولادها الخمسة الذين كان أكبرهم في الثانية عشرة من عمره ولم يكن أولاد حسين كامل وصدام كامل المنشورة صورهم هذه الصفحة وقد أصبحوا شباباً لم يكونوا في المنزل وقت شن الهجوم.
لقد رد من في البيت على مطلقي النار، وكان أول من قتل من المهاجمين هو ثائر ابن أخت الحاج كامل، وقتل شخص أخر هو أحمد رزوقي سليمان المجيد وهو أيضاً ابن شقيقة أخرى للحاج كامل أي أنهم يتقدمون الصفوف لقتل خالهم وأولاده، لقد قاتل من في البيت قتالاً شرساً ويمكنني القول اليوم أن حسين كامل لم يكن يجيد مهنة أفضل من القتال. لقد استمرت المواجهات عدة ساعات ولم يستسلم من في البيت أما الوالدة فكانت لا تزال تنتظر في تشريفات القصر الجمهوري دون أن تعرف شيئاً عما حل بأولادها.
بعد ست ساعات من المواجهات كان هناك ستون شخصاً بين قتيل وجريح من المهاجمين وتراجع علي حسن المجيد ومن معه من المقدمة وتركوا الهجوم للملثمين من منتسبي فدائيي صدام الذين كان أغلب الضحايا من بينهم.
لقد قال لي أحد المشاركين في ذلك الهجوم أنه بانت على سطح المنزل راية بيضاء فهم المهاجمون أنها علامة استسلام الموجودين في المنزل، وهو ما جعل علي حسن المجيد يقول لأحد الرماة عندما يظهر رأس ما صوّب عليه أياً كان. وقبل أن يعرف إن كان هو أحد الأطفال أو شقيقه أو ابنة شقيقه رجلاً كان أم امرأة. وفعلاً سرعان ما ظهر الرأس وإذا به صدام كامل ونفذ الرامي تعليمات علي المجيد وأصابه في فمه وأرداه قتيلاً في الحال، بعد أن تناثر رأسه.
هذه الراية لم تزد المهاجمين إلا إصراراً على الاستمرار، وصدرت الأوامر باستعمال الأسلحة المتوسطة ومن أجل هّد البيت وحرقه على من فيه، ويبدو أن أغلب الموجودين في الداخل قد قتل، وخرج حسين كامل من المنزل جريحاً إلى حديقة الدار موافقاً على الاستسلام الذي لا يريدونه بقدر ما يريدون قتله وهو ما تحقق فعلاً، إذ أردي قتيلاً في حديقة المنزل وذهب إليه عمه علي المجيد وحرك رأسه بحذائه ورفس الجثة ليتأكد من مقتله وعندما شعر أن في الجثة بقايا روح صوب مسدسه نحو رأسه ونثره أيضاً.
وتوقف إطلاق النار ودخل المهاجمون إلى أطلال المنزل ليجدوا الحاج كامل وابنته وخمسة أطفال هم مجموع أطفال عز الدين محمد قد قتلوا إضافة إلى عبد الحكيم وصدام وحسين كامل.في الوقت الذي كانت الأم تنتظر فيه موافقة الرئيس على استرحامها والعفو عن أبنائها من خلال تدخله لإيقاف الهجوم الذي كانت بدايته قد لاحت حين مغادرتها المنزل، وبقيت هناك دون أن يتجرأ أحد على إبلاغها بما حدث، وعندما حل الليل وعادت أدراجها منعت من الوصول إلى البيت وأبلغت بأن تعليمات مشددة قد صدرت بعدم الوصول إلى الموقع حيث قتل كل من فيه والأوامر تمنع دفن الجثث وتركها على الرصيف.
لقد تركت الجثث أربعة أيام حتى انتفخت وانبعثت منها رائحة كريهة بحيث اشتكى جيران المنزل الذين سمح لهم بالعودة في اليوم الرابع لإعمار ما أصاب بيوتهم من ضرر من الرائحة الكريهة فصدرت الأوامر أن تنقل الجثث الى إحدى المقابر لدفنها.
في اليوم الثاني لهذه المجزرة تعرضت جدارية للرئيس صدام حسين في مدخل قريته العوجة بعد رميها بالرصاص للتشويه، وفي نفس اليوم تعرض منزل عبد الحميد الخربيط في أطراف مدينة الرمادي إلى هجوم مسلح قيل إن مرتكبيه قد حضروا بسيارات يفهم منها أنها مثل تلك التي يستعملها الحرس الخاص وفسر البعض ذلك بأن الذين قاموا بالهجوم هم موالون لحسين كامل أو أن شقيقه جمال مع آخرين قد قاموا بالهجوم على المنزل الذي لم يكن بداخله غير الحرس في محاولة للانتقام لمقتل شقيقه معتبراً أن عودة حسين كامل جاءت بسبب وساطة عبد الحميد الخربيط وأنه هو الذي غرر بشقيقه ومن معه وأغراهم بالعودة إلى العراق.
أما عز الدين والذي ترك الأردن لاحقاً بسبب مضايقات السلطات الأردنية فقد انتقل للإقامة بين بريطانيا وأبو ظبي، بعد أن فقد زوجته وأولاده جميعاً في تلك المجزرة الرهيبة.
أما أولاد حسين كامل وصدام كامل فقد انتقلوا للعيش مع أميهما برعاية جدتهم الزوجة الأولى للرئيس صدام حسين السيدة ساجدة خير الله طلفاح، ولم يلقوا مصرعهم كما ذكرت وسائل الإعلام عندما نقلت أخبار المجزرة، وقد التقطت لهم صورة حديثة قبل عدة أشهر، في بغداد نشرتها الاتجاه الآخر في حينها وتعيد نشرها اليوم.
أما والدة حسين كامل والتي بقيت في رعاية ابنها الأصغر جمال، فقد وجدت مذبوحة قبل عدة أشهر في منزلها ببغداد حيث كانت بمفردها. وقد قال البعض إنها ذبحت بسبب تعليقاتها المتكررة وتعرضها بالسب للرئيس صدام حسين وللذين قاموا بالمجزرة بحق أبنائها في حين ادعت السلطات العراقية إن القتلة هم مجرمون محترفون ذبحوها بهدف السرقة وقد تم إلقاء القبض عليهم وأحيلوا إلى القضاء ونالوا جزاءهم العادل.
والسؤال هو.. أي حكام هؤلاء..؟ وأي حظ عاثر أصاب العراق حتى يحكمه أفراد لازالوا يتصرفون بعقلية العصابات..؟ وكيف يمكن للمرء أن يثق بهكذا حكم أو قيادة بلد لا تحترم العهد ولا الميثاق ولا الكلمة؟ فإذا كانوا قد فعلوا كل هذا بأفراد أسرهم وبأشقائهم وبأبناء عمومتهم، فماذا يفعلون بخصومهم أو بمن يتجرأ على إعلان خصومته لهم؟..
إنها مجزرة.. حقاً!!
وبعد مرور عام على هذه المجزرة اصدر الرئيس صدام حسين مرسوماً جمهورياً اعتبر فيه الضحايا شهداء الغضب ربما حتى لا يسمي أحفاده أبناءً خونةً وما انفك الرئيسُ يطلق لقب الشهداء بمرسوم جمهوري على من بصفتهم بلحظات شك وغضب وما أكثرهم حيث لم يسلم أحدٌ من أصدقائه ورفاق دربه إذ أن اغلبهم قضوا نحبهم بأوامر منه.