آخر أيام الحرب
العاصمة العراقية تحت الاحتلال الأميركي والفوضى الشاملة وغموض حول مصير الرئيس وكبار مساعديه، نظام صدام يختفي من بغداد
استيقظ العراقيون في بغداد صباح أمس ليفاجأوا بأن نظام صدام حسين اختفى تماماً من شوارع المدينة وكأنه مثل الشبح، وفي الظهيرة،
بدأت أعمال نهب واسعة النطاق للممتلكات العامة، وقبل أن يسدل الليل أستاره على العاصمة تجمع العشرات منهم في ساحة الفردوس وسط المدينة متشجعين بالدبابات الأميركية وانهالوا بالمعاول على تمثال ضخم لصدام محاولين هدمه، وعندما عجزت المعاول البسيطة عن ازالة التمثال تدخلت دبابة أميركية وأسقطت التمثال أرضاً، مؤذنة في دلالة رمزية رآها كل العالم عبر شاشات التلفزيون بمرحلة جديدة بالمنطقة وانهاء حكم وسقوط نظام ظل مستمراً لمدة تزيد على 34 عاماً كما تعتقد قيادات عسكرية أميركية وكثير من المواطنين العراقيين الذين انهالوا طوال يوم أمس على تمزيق صور صدام وانهالوا عليها بالأحذية في مشاهد تنافست الفضائيات العالمية على نقلها طوال أمس، مؤذنة ايضاً ببدء وقوع بغداد تحت الاحتلال الأميركي المباشر.
وعندما جاء المساء على بغداد أمس توقف البعض مؤقتاً عند غياب النظام ليطرح الجميع سؤالا: أين صدام نفسه وكبار مساعديه؟ البيت الأبيض أكد انه يجهل مصيره، في حين قالت تقارير أميركية انه كان داخل المبنى الذي جرى قصفه يوم الاثنين في حي المنصور، مرجحين قتله ومعه نجلاه وبعض مساعديه.
في حين ألمحت مصادر في المعارضة العراقية الى انه نجا أحد أنجاله على الأقل وفر الى تكريت مسقط رأسه معززين رواياتهم بالقصف المكثف للمدينة أمس، كما تحدثت تقارير صحفية غير مؤكدة عن لجوء صدام للسفارة الروسية، في حين اتهم دونالد رامسفيلد سوريا مجدداً بتوفير دعم عسكري للعراق وان مسئولين عراقيين كبارا يفرون الى سوريا. المسئولون الأميركيون وعلى رأسهم جورج بوش لم يخفوا فرحتهم بما اعتبره كثير من المراقبين سقوطاً مفاجئاً وسريعاً لنظام كرتوني. وقال بوش انه سعيد لرؤية العراقيين يعبرون عن فرحتهم ورغبتهم في ان يكونوا أحراراً، لكن غالبية هؤلاء المسئولين وعلى رأسهم بوش لم تذهب بهم النشوة بعيداً، مؤكدين ان الحرب مازالت مستمرة ولم تنته وان أياماً صعبة قادمة سوف يشهدها العراق، وان الوقت لايزال مبكراً للحديث عن وقف اطلاق النار، خاصة ان تقارير عديدة أكدت ان جيوباً للمقاومة مازالت مستمرة وسمع أمس تبادل لاطلاق قذائف الدبابات من الضفة الغربية لنهر دجلة. وفي الشمال أعلن الأكراد الذين عبروا ايضاً عن فرحتهم بسقوط النظام في بغداد انهم سيطروا على جبل استراتيجي شمال الموصل بمساعدة أميركية. (الحرب على العراق ص 20 ـ 31) وفي اعقاب مظاهر الابتهاج بقدوم القوات الاميركية، التي شاركت مجموعة عراقية في اسقاط تمثال كبير لصدام حسين بعد لف رأسه بعلم اميركي في ساحة الفردوس ببغداد قال آري فلايشر الناطق باسم البيت الابيض ان الرئيس الاميركي جورج بوش «مسرور» لرؤية العراقيين يعبرون عن رغبتهم بان يكونوا احرارا.
واوضح فلايشر للصحافيين ان «الحرب لم تنته بعد» لكن الاحتفالات في شوارع بغداد تظهر ان «الشعب العراقي عندما تسنح له الفرصة لان يكون حرا، فانه يستغلها».
وجاء كلام فلايشر في وقت تعرض فيه محطات التلفزة الاميركية مشاهد لعراقيين قاموا بمساعدة دبابة اميركية في تحطيم تمثال صدام حسين في وسط بغداد.
واضاف الناطق الاميركي ان الرئيس «مسرور» بالتقدم الذي تحقق في العراق لكنه يعتقد ان القوات الاميركية يجب ان تواصل «توخي اقصى درجات الحذر» بسبب استمرار وجود بعض المقاومة.
واوضح انه يجب توخي «اكبر قدر من الحذر» حيال تطورات الوضع في العراق في وقت دخلت قوات التحالف الاميركية والبريطانية الى بغداد.
وشدد فلايشر على ان مصير الرئيس العراقي صدام حسين لا يزال مجهولا وهو ما اكد عليه ايضا مسئول في البنتاغون اوضح «لا نزال نجهل مصيره» مشددا على انه «فوت فرصة الرحيل الى المنفى سلميا».
واوضح رامسفيلد خلال مؤتمر صحافي في البنتاغون ان «مسئولين كبارا في النظام يخرجون من العراق الى سوريا ولا تزال سوريا ترسل اشياء الى العراق. هذا لا يساعد بتاتا».
واضاف «لقد نصحتهم (السوريين) بالتحديد عدم توفير مساعدة عسكرية للعراق».
واشاد رامسفيلد امس بالتقدم الذي حققته القوات التي تقودها الولايات المتحدة في القتال في العراق لكنه قال ان القتال سيستمر وان الجيش الاميركي لا يعرف بعد مصير صدام حسين الرئيس العراقي او مكانه.
واضاف «ما من شك في انه ما زالت امامنا ايام صعبة وخطيرة وان القتال سيستمر لفترة.
وقال رامسفيلد انه ما زال هناك «قدر كبير» من العمل الذي يتعين انجازه بما في ذلك تحديد مكان صدام.
وتابع «ما زال يتعين ان نمسك بصدام حسين وابنيه وكبار القادة العراقيين او نحدد ما انتهى اليه امرهم او نتصدى لهم».
وقال ان مشاهد العراقيين الذين يبتهجون في شوارع بغداد الى جانب القوات الاميركية تذكر بسقوط جدار برلين.
واوضح رامسفيلد «انه يوم سعيد جدا للشعب العراقي».
واضاف ان «مشاهد العراقيين الاحرار الذين يحتفلون في الشوارع ويصعدون الى الدبابات الاميركية ويسقطون تماثيل صدام حسين في وسط بغداد تحبس الانفاس».
وتابع يقول «عندما تراهم لا يمكنك الا ان تفكر بسقوط جدار برلين وانهيار الستار الحديدي اننا ننظر الى التاريخ وهو يكتب، الى احداث ستحدد مستقبل بلد ومصير شعب وربما المنطقة».
واعتبر رامسفيلد ان صدام حسين انضم الان في التاريخ الى «طغاة وحشيين اخرين سقطوا» مثل هتلر وستالين.
وقال ان بغداد على وشك ان تحرر رغم تواصل بعض المعارك في محيط العاصمة العراقية.
واعتبر رامسفيلد ان «بغداد في طور التحرير رغم تواصل المعارك داخل المدينة وفي محيطها».
وقال انه لا يزال من الضروري العثور على اسلحة الدمار الشامل في العراق ووضعها في مكان آمن.
واوضح رامسفيلد يتعين علينا ايجاد اسلحة الدمار الشامل والسيطرة عليها في العراق واحكام السيطرة على الحدود العراقية لمنع اخراج مواد تستخدم في صنع اسلحة دمار شامل ومنع فرار مسئولي النظام الكبار من البلاد» كما عرض مكافآت مالية على كل من يرشد عن اماكن تواجد المسئولين العراقيين او اسلحة الدمار.
واشار الى ان طائرات محملة بمساعدات انسانية وصلت الى مطار بغداد الذي تسيطر عليه القوات الاميركية.
لكن احمد الجلبي الناطق باسم المؤتمر الوطني العراقي المعارض قال ان كبار القادة العراقيين غادروا بغداد ولجأوا الى تكريت معقل صدام حسين على بعد 200 كيلومتر شمال بغداد حيث الملاجيء المحصنة لكنه قال انه لا يعرف مصير صدام ثم عاد لاحقا ليؤكد ان صدام واحد ابنائه على الاقل لا يزالان على قيد الحياة.
وقال «لا يمكننا القول بانها نهاية النظام العراقي طالما لم يتم القاء القبض على كبار قادة النظام من الممكن انهم يخططون لشن هجوم مباغت باسلحة كيميائية او اسلحة من نوع آخر مضيفا ان «صدام لن يسمح لشعبه بان يهنأ».
وذهب البعض الى احتمال لجوء صدام الى تكريت عززه القصف الاميركي المكثف والمتواصل للمدينة طوال امس، ومع ذلك نقلت صحيفة «واشنطن تايمز» امس عن مسئولين حكوميين اميركيين قولهم ان عدة مصادر استخباراتية رأت الرئيس العراقي صدام حسين يدخل المبنى الذي قصفه الطيران الحربي الاميركي الاثنين في بغداد.
ووصف البنتاغون الثلاثاء هذه الضربة على انها «فعالة جدا» من دون ان يؤكد بشكل قاطع مصير الرئيس العراقي.
وقال مسئول اوردت تصريحه الصحيفة ان كثرة الشهادات التي افادت ان صدام حسين دخل المبنى من دون ان يخرج منه قبل تعرضه للقصف تشير على ما يبدو انه قتل.
واوضح مسئول عسكري اخر طلب عدم الكشف عن هويته «يقولون انه قتل من دون شك».
لكن مسئولا في الاستخبارات الاميركية شدد على انه من المؤكد ان مسئولين كبارا في حزب البعث والاستخبارات العراقية قتلوا في القصف لكن يبقى التأكد ما اذا كان صدام حسين بين الضحايا.
وللتوصل الى هذه النتيجة يجب انتظار نتائج تحاليل عينات من الحامض الريبي النووي المنقوص الاوكسجين (دي ان ايه) التي اخذت من المكان او من خلال رصد الاتصالات الهاتفية.
واوضحت الصحيفة ان عملاء من وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي اي ايه) وجاسوسا جندته السي اي ايه وعناصر من وحدة «دلتا» في الجيش الاميركي كانت تراقب تنقلات صدام حسين واتصل احد هؤلاء بالمقر العام للسي اي ايه قرب واشنطن الذي نقل المعلومات الى القيادة الاميركية الوسطى. وبعد 45 دقيقة على ذلك تمت عملية القصف.
وبعد ان استيقظ سكان بغداد على عدم وجود مظاهر للنظام قام بعضهم بدءا من الظهيرة بعمليات نهب وسرقة في غياب عناصر الشرطة والجيش النظامي مما اعطى دلالة اولية على سقوط نظام صدام حسين.
وقالت وكالة رويترز ان المارينز الذين اجتاحوا بغداد امس سيطروا على مديرية الامن العام والتي وصفوها بأنها مقر الشرطة السرية.
واعلن الناطق باسم القيادة الوسطى الاميركية في قطر في اليوم الواحد والعشرين للحرب في العراق ان الحشود المبتهجة التي خرجت الى شوارع بعض احياء بغداد «تعلم ان النظام قد انتهى ولن يعود ابدا بالشكل نفسه».
وكرر الجنرال فنسنت بروكس الاشارة الى «النظام» خلال مؤتمره الصحافي اليومي في قاعدة السيلية في قطر لكن بدون لفظ اسم صدام حسين كما هي العادة.
ومع الاشارة الى «بعض جيوب المقاومة» في العاصمة العراقية افاد الجنرال بروكس انه في اماكن اخرى «الناس يعلمون ان النظام قد انتهى ولن يعود ابدا بالشكل نفسه».
واضاف «لدينا معلومات تشير الى تراجع مستمر لسيطرة النظام» على بغداد.
واعلن ضابط اميركي كبير امس ان القوات الاميركية هزمت الجيش العراقي وبسطت سيطرتها على القسم الاكبر من بغداد، رغم استمرار المعارك.
وقال اللفتنانت جنرال بافورد بلاونت، قائد الفرقة الثالثة في سلاح المشاة الاميركي «اننا نسيطر على الجزء الاكبر من المدينة الا ان هناك معارك لا تزال جارية».
وقال ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي امس في خطاب القاه في نيو اورليانز (لويزيانا جنوب) ان القوات الاميركية والبريطانية قد تواجه «معارك صعبة» في العراق رغم المؤشرات الى انهيار نظام صدام حسين.
وحذر تشيني من ان «معارك صعبة قد تحصل» مشددا على ان القوات الموالية للرئيس العراقي لا تزال تسيطر على عدة مدن في شمال العراق.
لكنه اشار الى ان القوات الاميركية رأت في وسط بغداد «مؤشرات واضحة الى انهيار سلطة النظام».
واضاف انه لا احد يستطيع التكهن بالمدة التي ستستغرقها الحرب في العراق كما اكد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني ان الحرب لم تنته مشيرا الى ان الوضع لم يصبح امنا بعد للقوات البريطانية في البصرة.
وعلى وقع هتاف «جيد جيد بوش» و«جيد اميركا» (غود غود بوش غود اميركا) تقاطر عشرات العراقيين في ساحة حمزة لمشاهدة اولى ناقلات الجند الاميركية وهي تتقدم ببطء في شارع الحبيبية الضخم المؤدي الى تقاطع ساحة حمزة في حي شمال العاصمة العراقية.
وبعد الوصول الى هذا الموقع على بعد ثلاثة كلم من وسط العاصمة دخلت سبع دبابات ارضا خلاء وتمركزت وراء جدار صغير.
واقترب السكان منهم ملوحين بشارة النصر ثم صفقوا لهم .
وقال احد عناصر المارينز وقد بدا عليه التعب «نحن سعداء حقا بهذا الاستقبال».
واضاف «لسنا متفاجئين لاننا كنا نعرف انهم ينتظروننا نحن سعداء جدا بوجودنا في بغداد» موضحا انه دخل صباحا بغداد بعد ان قضى ليلته في ضواحي المدينة.
وعمت المدينة مشاهد النهب والسلب وفي الشمال تدافع الناس مستخدمين وسائل نقل في اتجاه وزارة النقل ووزارة الري والى مقر حزب البعث للاستيلاء على كل ما يعثرون عليه