فاز فريق حجازي إليفين بالمباراة .. وبالجنيهات العشرة .. ولكن الكبرياء والصلف الإنجليزي لم يقبلا تلك الهزيمة الموجعة .. فعرض ستانلي علي حجازي أن يلتقي الفريقان في مباراة أخري .. فرفض حجازي وبقي ستانلي يغري حجازي بزيادة قيمة الرهان حتي بلغت مائة وثمانين جنيها .. حينئذ .. لم يعد بوسع حجازي أن يرفض .. .. ولم يكن بوسعه أيضا أن يخسر ليفوز الإنجليز .. ومرة أخري .. يفوز حجازي إليفين علي ستانلي تيم
ولم تكن قيمة الرهان وحدها هي الفارق الوحيد بين مباراة الفريقين الأولي .. ومباراتهما الثانية .. وإنما جرت المباراة الأولي في هدوء .. بينما كانت المباراة الثانية صاخبة .. تابعها في شغف كل المسئولين عن أندية مصر الكروية .. كانوا يريدون رؤية هؤلاء الشياطين المصريين الصغار الذين استطاعوا أن يقهروا الإنجليز .. وكذلك الإنجليز .. كانوا .. أيضا .. يريدون امتلاك هؤلاء الصغار وضمهم للأندية التي يمثلونها .. وكانت أول حرب في تاريخ الكرة المصرية لضم لاعبين إلي صفوفها
لكن .. أكبر لكن في تاريخ الكرة المصرية .. تقاعست الأندية ـ باستثناء الأهلي والزمالك ـ عن الاستمرار في ميدان تلك الحرب .. ففاز الأهلي باللاعب الأعظم حسين حجازي .. وفاز المختلط .. أو الزمالك .. بباقي فريق حجازي إليفين
وكانت أكبر غلطة في تاريخ الكرة المصرية .. فقد أدي اقتصار الحرب علي الأهلي والزمالك إلي ولادة ألف غدة حساسية بين الفريقين .. لم يتفرق دم فريق حجازي إليفين بين القبائل الكروية المصرية .. وإنما أصبح ثأرا من الأهلي يطالب به الزمالك .. وصراعا مع الزمالك لن ينساه الأهلي
حدث ذلك كله عام 1917 .. وبعد عامين .. أي في عام 1919.. انتقل حسين حجازي إلي نادي المختلط .. وأصبح نادي المختلط بانتقال فريق حسين حجازي إليه هو أقوي فريق كروي في مصر
وعبر ثلاث سنوات .. من عام 1919 وحتي عام 1922 .. واصلت الكرة المصرية ازدهارها وانتشارها .. وتوالت الأحداث والمباريات .. غضب المصريون لأن الإنجليز لم يعطوهم الحق في اختيار المنتخب المصري الذي سيشارك في دورة أنفرس الأوليمبية ببلجيكا عام 1920..
الزمالك ينقل مقره للمرة الثانية
تزداد مدينة القاهرة ازدحاما وضجيجا .. فيضطر نادي المختلط إلي الرحيل مرة ثانية إلي ضفاف النيل من جديد حيث المكان الذي يشغله مسرح البالون الآن
وهناك .. يكتشف حسين حجازي أن المقر الجديد للنادي عبارة عن أربع حجرات فقط .. وملعب لكرة القدم به حجرتان لخلع الملابس .. ومدرجات لا تتسع لأكثر من ستة الاف متفرج
والأهم .. أن المقر الجديد بعيد عن نادي البلياردو .. اللعبة الثانية في حياة حسين حجازي
لهذا .. يقرر حسين حجازي الانتقال إلي النادي الأهلي مرة أخري عام 1924لا يفقد نادي المختلط .. أو الزمالك .. لاعبه العظيم حسين حجازي فقط
إنما يفقد أيضا الانتصارات الكروية التي اعتاد عليها وتغنت بها جماهيره
يفقد المختلط .. أو الزمالك .. البريق الكروي الذي تميز به
وبدا الأمر في النهاية .. كما لو كان نادي المختلط في الطريق ليفقد كل شيء .. لكن لم يحدث ذلك لأسباب كثيرة فبقي الزمالك وبقيت انتصاراته حتي قامت ثورة يوليو عام 1952 .. وحين قامت هذه الثورة .. لم تكن الثورة الأولي للمصريين علي الإنجليز .. ولا كانت الثورة الثانية .. وإنما في واقع الأمر .. ثار المصريون علي الإنجليز ثلاث مرات .. المرة الأولي بقيادة سعد زغلول عام 1919 .
الزمالك تحت قيادة رئيس مصرى مرة أخرى
بينما كانت المرة الثانية .. بقيادة نادي الزمالك .. أو في نادي الزمالك .. عام 1929 .. حيث كانت كل الظروف مواتية وممهدة للقيام بالثورة .. عشر سنوات مضت علي قيام ثورة سعد زغلول .. سبع سنوات مضت علي آخر بطولة كروية للزمالك .. ست سنوات مضت علي إعلان الدستور في مصر وإلغاء الأحكام العرفية .. خمس سنوات مضت علي تقاعد مرزباخ الرجل الذي أسس نادي الزمالك ..
وكانت صورة مصر في ذلك الوقت لمن يراها من بعيد تبدو هادئة وكأن الشوارع والبيوت قد اعتادت أن تري وجوه الغرباء وأن تصغي لمفرداتهم الجديدة .. المصريون البسطاء والفقراء شغلتهم أيامهم ومعاناتهم وأحلامهم .. ثورتهم الكبري أصبحت مجرد حكايات قديمة ومجرد ذكري تزورهم كلما اشتاقوا للغضب أو فاجأتهم رصاصة مصرية تقتل ضابطا أو عسكريا إنجليزيا
في تلك الأيام .. كان علي مصر أن تمضغ أحزان ليلها الطويل وتصبر .. فاستعانت علي الصبر بأغاني سيد درويش التي كسر الحزن قلبها .. وتغطت بعباءة تاريخها الطويل لتحتمي به .. وعلي الرغم من ذلك .. بقيت تجربة مصر في مواجهة احتلالها استثناء في كتاب الشعوب والغزاة والتاريخ .. فمصر اختارت للمواجهة سلاح كرة القدم .. لم يملك المصريون سوي أن يضعوا الكرة مكان القنبلة .. في الواقع أصبح لدي مصر وقتها في كل شارع وملعب ومدرسة .. ألف كرة وألف قنبلة
باختصار كل الظروف كانت مواتية وممهدة للقيام بالثورة وكان هناك رجل واحد اسمه حسين حجازي .. علي استعداد لأن يقود تلك الثورة .. ثورة بدأت بتمرد قاده حجازي وشاركه فيه يوسف محمد والقائمقام محمد حيدر بك قومندان السواحل .. ونجح التمرد وأصبح يوسف محمد سكرتيرا للنادي بدلا من نيقولا عرقجي .. والقائمقام .. أو العقيد .. محمد حيدر بك أصبح رئيسا للنادي ليصبح ثاني رئيس مصري للزمالك خلفا للدكتور محمد بدر والذي لم يبق رئيسا إلا لمدة سنتين فقط .
انعقاد أول جمعية عمومية لنادى الزمالك
في عام 1930.. تلقي ستون رجلا .. هم كل أعضاء الجمعية العمومية لنادي الزمالك .. دعوة لاجتماع هام وعاجل .. كأن الرجال كانوا ينتظرون تلك الدعوة منذ وقت طويل .. جاءوا جميعا إلي النادي ليلتقوا بحسين حجازي لتنعقد أول جمعية عمومية حقيقية في تاريخ النادي .. وهنا لابد من التوقف أمام ما قد يبدو متناقضا بين الحديث عن ثورة الزمالك لتمصير الرياضة والكرة المصرية عام 1917 وبين ما قام به حسين حجازي عام 1930 ..
والحقيقة أنه ليس هناك أي تناقض .. فما جري عام 1917 كان أول طلقة رصاص رياضية في وجه الأجانب والغرباء .. طلقة لم تطش ولم تنته إلي الفراغ أو الخواء .. ولكنها أصابت وحققت هدفها وغايتها .. فكان الانتصار الحقيقي يحققه ناد لم يتأسس إلا عام 1911 .. ولم يلعب الكرة أصلا إلا عام 1916 أي قبل هذه الرصاصة والثورة بسنة واحدة فقط
وإذا كان كثيرون منا لا يعرفون ذلك حتي الآن .. فإنهم كثيرون أيضا الذين لا يعرفون حتي الآن أن الزمالك بعد أن استرد روحه ومصريته عام 1917 لم يكتف بذلك .. وإنما بقي يحارب مع الأهلي لتأسيس أول اتحاد مصري لكرة القدم في مصر .. وسوف يبقي التاريخ شاهدا علي أن الأندية التي خاضت حرب التمصير كانت هي الزمالك .. ومن بعده الأهلي والاتحاد السكندري والمصري في بورسعيد
وإذا كان الزمالك قد نجح في ثورته عام 1917 .. فإنه رغم نجاحه هذا بقي يحاول استكمال طرد الغرباء والأجانب خارج أسواره وأبوابه .. بقي يحاول ذلك حتي نجح انقلاب حسين حجازي عام 1930 .. فانعقدت تلك الجمعية العمومية التي سبق وأشرت إليها وحضرها ستون عضوا مرة واحدة قرروا طرد الأجانب والخواجات نهائيا من النادي وأن يبقي الزمالك ملكا للمصريين وحدهم
وإذا كنا قد نسينا حسين حجازي بعد ذلك .. فلم يحفظ اسمه الصغار .. ولم نضعه في قائمة نجومنا .. فمن المؤكد أن مصر لم تنسه .. ولا كتاب التاريخ أيضا .. فإذا كان التاريخ سيبقي دائما شاهدا علي أن محمد أفندي ناشد هو أول من علم المصريين حب وعشق لعبة اسمها كرة القدم .. فإن نفس هذا التاريخ سيبقي شاهدا أيضا علي أن حسين حجازي هو الرجل الذي قام بثورتين
الثورة الأولي أعادت نادي الزمالك للمصريين
والثورة الثانية خلقت من نادي الزمالك مدرسة للفن واللعب وكرة القدم .
قصة أشهر هتاف ( زمالك يا مدرسة لعب وفن و هندسة
ترجع الحكاية إلي عام 1928 .. وقتها رفض لاعبو الأهلي الصعود إلي المنصة لتسلم ميداليات المركز الثاني في نهائي كأس السلطان فؤاد التي فازت بها الترسانة .. ولأن الأهلي في ذلك الوقت كان النادي المدلل للسلطان فؤاد .. فقد عجز اتحاد الكرة عن عقاب لاعبي الأهلي .. ورد الأهلي الجميل بأن قدم كبش فداء يتم عقابه وحده وكان هو اللاعب العظيم حسين حجازي الذي انتقل للأهلي من الزمالك ..
ورفض حسين حجازي أن يكون هو ضحية الغرام المتبادل بين الأهلي والملك .. فقرر حجازي العودة مرة أخري لصفوف الزمالك .. وقرر أن ينتقم أيضا .. وكان أجمل وأغرب انتقام في تاريخ الكرة المصرية .. فقد طاف حسين حجازي بمدارس القاهرة لاختيار تلاميذ أصحاب مواهب كروية يتحدي بهم نجوم الأهلي ولاعبيه الكبار .. وبهؤلاء التلاميذ لعب حسين حجازي باسم الزمالك أمام الأهلي .. وفاز التلاميذ علي الأهلي بهدف جميل أحرزه تلميذ جديد اسمه محمد لطيف .. وخرج الجمهور من الملعب يردد ويتحاكي كيف فاز فريق المدرسة علي فريق الأهلي بنجومه الكبار .
ولكن لم يولد الهتاف التقليدي رغم ذلك .. نصفه فقط أي الزمالك فريق مدرسة .. ثم كان لابد من الانتظار طويلا حتي يكتمل النصف الثاني من الهتاف الزملكاوي التقليدي .. ففي يونيو عام 1952 .. باع الزمالك عشرين شجرة من حديقته بألف جنيه أعطاها لأحد المقاولين من أنصاره ليبني مدرجات جديدة علي أن يدفع هذا المقاول بقية التكاليف من جيبه الخاص .. وبالفعل أتم المقاول البناء في الوقت الذي توالت فيه انتصارات الزمالك علي الفرق الأجنبية .. أوستريا ورد ستار وهونفيد .. فكان لابد من تعبير جماهير الزمالك عن امتنانها للاعبين وانتصاراتهم وللمقاول وتضحيته فاكتمل بذلك الهتاف التقليدي لأول مرة وأصبح .. يا زمالك يا مدرسة لعب وفن وهندسة .
حسين حجازى أعظم لاعب فى العالم :
وهكذا .. سيبقي تاريخنا الكروي أيضا شاهدا علي أن حسين حجازي كان ـ وسيبقي ـ واحدا من أعظم لاعبي كرة القدم في كل تاريخ مصر .. بل إنه اللاعب المصري الوحيد الذي أصر الإنجليز علي أن يلعب ضمن صفوف منتخب بلادهم حين قرر القيام بجولة في دول أوروبا .. ولأن حسين حجازي لا يحمل الجنسية الإنجليزية .. تخلي المنتخب الإنجليزي - للمرة الأولي والأخيرة - عن لقبه الرسمي كمنتخب إنجلترا وسافر تحت اسم منتخب الجوالة الإنجليز .. وحين يلعب ذلك المنتخب ضد إسبانيا .. يصر الملك الإسباني الفونسو الثالث عشر علي لقاء اللاعب المصري الذي اعتبره الأعظم في العالم .. وقال الملك لو امتلكت مصر ثلاثة لاعبين فقط مثل حسين حجازي لاستطاعت أن تقهر كل منتخبات أوروبا ..
أما لو امتلكت أحد عشر لاعبا مثل حسين حجازي لكان فريقها هو أعظم فريق في العالم !!
وبالرغم من ذلك .. لم ينشغل حسين حجازي طويلا بحجز مقعد لنفسه في قطار النجوم
كان كل مايشغله هو نادي الزمالك .. وفريق الكرة بنادي الزمالك .. وهذا هو مادفعه ليطوف مدارس مصر الثانوية ليفتش عن لاعبين جدد يضمهم إلي نادي الزمالك .. أو المختلط في ذلك الوقت من أجل أن يفتتح الزمالك سنوات الثلاثينات باستعادة أمجاد قديمة وانتصارات غائبة .. وقد تولي تلك المهمة .. مجموعة من اللاعبين ستبقي أسماؤهم في ذاكرتنا طويلا .. مختار فوزي .. محمد لطيف .. مصطفي كامل طه .. محمد حسن حلمي .. يحيي إمام .. علي كاف .. علي شعير .. حسين الفار .. خميس فرحات .. إسماعيل السمكري .. وانضم إليهم حسين لبيب من النادي المصري .. ومن النادي المصري أيضا إنتقل عبد الرحمن فوزي ليلعب مع نادي المختلط ..
قصة انتقال عبدالرحمن فوزى إلى الزمهنا ينبغي التوقف قليلا عند قصة انتقال عبد الرحمن فوزي إلي المختلط .. فقد كان لاعبا في المصري حين تم اختياره ضمن صفوف المنتخب المصري الذي شارك في نهائيات كأس العالم بإيطاليا عام 1934 حيث لعب المنتخب المصري مع المجر وفازت المجر 2/4 .. وأحرز عبد الرحمن فوزي هدفي مصر .. وعاد المنتخب لكن بعد اختيار عبد الرحمن كأحسن ساعد هجوم أيسر في البطولة واختياره ضمن منتخب العالم .. بكل هذا التقدير العالمي .. عاد عبد الرحمن فوزي إلي بورسعيد .. وهناك فوجئ بانتقال رفعت باشا رئيس النادي المصري للعمل بالقاهرة وكيلا لوزارة الداخلية .. ولما كان رفعت باشا صديقا لمحمد حيدر باشا رئيس نادي المختلط .. فلم يكن بوسع رفعت باشا أن يرفض طلب حيدر باشا بانتقال عبد الرحمن إلي المختلط .. وهو ما حدث بالفعل عام 1935
قصة أخري مشابهة .. بطلها هذه المرة هو ساعد الدفاع الأيسر بنادي المختلط ومنتخب مصر عبد السلام حمدي .. اللاعب الذي تغنت أوروبا باسمه طويلا عقب دورة أنفرس الأوليمبية ببلجيكا عام 1920 .. وفي أحد الأيام التي أعقبت قرار اتحاد الكرة المصري بالسماح للاعبين بالانتقال من ناد إلي آخر .. فوجئ عبد السلام حمدي بحيدر باشا رئيس النادي يستدعيه .. وفوجئ اللاعب النجم برئيس ناديه يأمره بالانتقال واللعب ضمن صفوف فريق السكة الحديد .. يغضب اللاعب عاشق نادي المختلط لكن دون جدوي .. فيذهب بالفعل إلي نادي السكة الحديد ليكتشف هناك ـ ونكتشف نحن فيما بعد ـ أن سبب انتقاله كان وعدا أعطاه حيدر باشا للمسئولين في نادي السكة
إن تلك القصة .. وحكاية عبد الرحمن فوزي .. وحكايات وقصص أخري مشابهة .. تمنحنا القدرة علي أن نتخيل مفهوم إدارة الأندية الرياضية في تلك الأيام .. ليس هذا فقط .. إنما تمنحنا تلك القصص والحكايات أيضا الرغبة في مزيد من التقدير والاحترام لكل هؤلاء النجوم واللاعبين الكبار والقدامي الذين في مثل هذا المناخ استطاعوا أن يلعبوا ويجيدوا اللعب بل وينالوا تصفيق وإحترام العالم
وبهؤلاء استطاع نادي الزمالك الفوز ببطولة دوري منطقة القاهرة في ثاني عام تقام فيه سنة 1940.. كما فاز الزمالك .. أو المختلط .. بكأس الأمير فاروق ثلاث مرات في الثلاثينات .. المرة الأولي عام 1932 .. ثم في عام 1935 .. ثم في عام 1939 لكن بعد أن أصبح الأمير فاروق ملكا يجلس علي عرش مصر بعد أن مات أبوه الملك فؤاد الأول في الثامن والعشرين من شهر أبريل عام 1936.
وللحديث بقيه