إن العبد كائناً من كان دائم التقلب بين هذه الأحوال الثلاث وهي عنوان سعادته: فنعم من الله تعالى وقيدها الشكر ، وبلايا وفرضها الصبر ، وذنوب تجب التوبة منها والإقلاع عنها ، وكل منا إذا تأمل حاله وجد نفسه متقلباً في هذه الأمور ، ففيما يتعلق بالنعم التي يجب علينا شكرها ، فإنا لا نحصى لها عداً ، ولا نوفي لها شكراً ،
يقول الله جل ذكره : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار " ( إبراهيم :34 )
فمن الذي وهبنا نعمة الحياة وعافانا في الأبدان والأديان والأهل والأوطان ، ؟ !
إنه الله ولا أحد غير الله ، " فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف "( قريش : 3-4 )
ومن اجل هذه النعم ما من الله علينا به من نعمة الأمن في الوطن بعد أن أزاح العدو الذي كان يهدد أمننا ، فله الحمد على ما من به من نعمة في الأبدان وأمن في الأوطان .
( 2 )
كما يستطيع المؤمن أن يرى أنه مغمور بنعم الله عليه خاصة إذا أدرك أنه كان عدماً فأوجده الله ووهبه نعمة الحياة بعد أن شق فيه السمع والبصر ومنحه العقل وقواه ، وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، فله الحمد وله الشكر وله الثناء الحسن .
عباد الله :
مر رجل على رجل من الصالحين كان قعيداً أعمى فسمعه يقول : " الحمد لله الذي عافاني ما ابتلي به كثيراً من خلقه وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً فسأله عما قال وهو قعيد أعمى المشـلول الاطراف ، فقال له ذلك الرجل الصالح عندما سـأله أي شئ عوفيت منه وابتلى به غيرك ؟! ، قال : ألم يؤتني الله قلباً شاكراً ، ولساناً ذاكراً ، وجسداً على البلاء صابراً " فهذا مثال للصابر الشاكر وإن شئت فقل هذا موفق سعيد .
عباد الله :
والشكر يحافظ على النعمة الموجودة ، ويأتي بالنعمة المفقودة " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " ( إبراهيم : 7 )
كما أن للشكر آلات وأدوات ، فشكر القلب ، وشكر اللسان ، وشكر الجوارح ، أما شكر القلب فبالاعتراف بأن صاحب النعمة ومسديها هو الله تعالى ، وأما شكر اللسان فبالتحدث بها ظاهراً ، وأما شكر الجوارح فبالتصرف فيها حسب أوامر صاحبها ومسديها وهو الله جل وعلا
" اعملوا آل داود شكراً ، وقليل من عبادي الشكور " ( سبأ : 13 )
إذا كنت في نعمة فارعها فإن الذنوب تزيل النعم هذا في حال النعمة ووجوب شكرها .
أما عن البلايا والتي فرضها الصبر ، فإن الله جعل الابتلاء سنة كونية لم يسلم منها نبي ولا ولي ،
يقول تعالى : " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون *ولقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " العنكبوت : 2،3 )
وإن من أشد ما ابتلينا به مصابنا في أسرى الكويت لدى النظام البائد ، هؤلاء الأسرى الذين هم أبناؤنا وفلذات أكبادنا ، ماذا جنوا حتى يختطفهم الطاغية الهالك ليحرموا من نعمة الأمن وعبق الحرية ؟!
( 3 )
إنها مصيبة المصائب ، وقضية القضايا ، ولن ننعم براحة حتى تحل قضيتهم بإذن الله ، كما أن أولياء الأمور – جزاهم الله خيراً – ما برحوا يصدرون هذه القضية فوق كل قضية ، ويحدونا الأمل في الفرج القريب بإذن الله جل وعلا .
والله سبحانه وتعالى يبتلي عبده لا ليهلكه وإنما يبتليه ليختبر عبوديته ، ويبتليه ليرفع درجته ، ويبتليه ليغفر له ذنبه ،
لذا في الحديث :" إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً ، فحمدني وصبر خرج من رقدته هذه من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، ويقول الله للحفظة : إني أنا قيدت عبدي هذا وابتليته ، فأجروا له من الأجر ما كنتم تجرون له قبل ذلك وهو صحيح " السلسلة الصحيحة ج )
عباد الله :
يتعين على من ابتلى ببلية أن يعالج ذلك بالصبر ، فإن الصبر يهون المصيبة ، ويكتب له الأجر على ذلك " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " ( الزمر : 10 )
يروي عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ما ابتلاني الله ببلية ، إلا رأيت لله على فيها أربع نعم : أنها لم تكن في ديني ، وأنها لم تكن أكبر منها ، وأن الله رزقني الصبر عليها ، وأن الله ادخر لي الأجر بها "
فأنظر إلى هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه كيف يرى العطية في البلية فهنيئاً له ، وليكن ذلك المثال قدوة لنا في التعامل مع الأقدار المؤلمة .
والصبر إنما يكون بالقلب واللسان والجوارح كذلك ، فصبر القلب يجب عن التضجر بالمقدور ، وصبر اللسان بعدم الشكوى ، وصبر الجوارح بعدم المعصية كلطم الوجه وشق الصدر ، .
لا تشكون إلى العباد فإنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
تبقى الثالثة وهي الذنوب التي تجب التوبة منها والإقلاع عنها ، وكلنا ذاك الرجل ، فأينا لم يجهل !؟ وأينا الذي لم يعص قط ؟!
إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما
" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ، إنه هو الغفور الرحيم " ( الزمر : 53 )
فمن تاب إلى الله عز وجل تاب الله عليه ، ويعجب ربنا جل وعلا من العبد بذنب الذنب ثم يتوب ، يعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب .
" وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون "
( 4 )
إن من علامات سـعادة العبد ، شكر النعم ، والصبر على النعم ، والتوبة من سـائر الذنوب ، وإن من الأمور التي يتفطر لها ضمير كل مسلم ويتألم لها ونحن أمة الجسد الواحد ، قضية أسرانا ، والتي تزيد مع الأيام قلوبنا شوقاً إليهم ، ولهفة عليهم ، ولا شك أن هذا ابتلاء يعقبه الفرج إن شاء الله ، وهذا ما ننتظره في الأيام المقبلة ، فأبشروا وأملوا في الله ما يسركم، فإن فرج الله قريب