إن بداية الهداية تكمن في العودة إلى هدي الكتاب والسنة عودة صادقة, والاعتصام بحبلهما, فمتى عدنا إلى الكتاب والسنة فزنا وأفلحنا, ومتى أعرضنا عنهما ضللنا وشقينا, وما كل ما يحدث لنا اليوم إلا من جراء الإعراض والصد عن هدى الوحيين الصافيين وصدق الله إذ يقول: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى") [طه:123-126].
أولاً: وجوب العودة إلى الكتاب والسنة:
إن العودة إلى الكتاب والسنة ليست تطوعًا ولا نفلاً نتقرب به إلى الله بأدائه, كلا إن هذه العودة فرض على كل مسلم مكلف بالغ عاقل سواء أكان رجلاً أم امرأة.
ولنكن على يقين كامل, وثقة مؤكدة, أنه لا عز لأمتنا ولا نصر لها ولا كرامة إلا بهذه البداية, وإلا بهذه العودة الجادة إلى الله سبحانه, وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم, ولنعلم أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها فلنسرع الخطى بالعودة إلى القرآن والسنة, وإلى الإستجابة لأحكامها فإن فيهما الخير والهداية لنا إن أردنا ذلك.
«إن الكتاب والسنة أصلا الإسلام والإيمان, فهما ركن من أركان الإيمان, فمن كفر بالكتاب أو بالسنة فقد كفر بالإسلام كله, فعلى كل مسلم أن يؤمن بالكتاب والسنة وأن يعظمهما ويجلهما ويخدمهما قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ") [الحج: 32].
كما أنه يفترض على كل مسلم أن يعتقد وجوب التزام الكتاب والسنة, ومن لم يرد ذلك فهو كافر, ولكن السنة منها المتواتر ومنها ما سوى ذلك, ومنها ما هو قطعي الثبوت وما هو ظني الثبوت, ومنها ما هو قطعي الدلالة ظني الثبوت, وظني الدلالة قطعي الثبوت, وظني الثبوت ظني الدلالة, فالحكم بالكفر إنما هو على من أنكر وجوب الإلتزام بالكتاب أو السنة أصلاً.
وقد توزعت أقوال الأئمة المرتبطة بموضوع الالتزام بالكتاب والسنة في كتب العقائد والفقه وأصول الفقه وأصول علم التفسير وأصول علم الحديث, وقد حضت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة على الإلتزام بهما».
* وقد حضت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة على وجوب الالتزام بهما, فمن آيات القرآن في ذلك:
1- قوله تعالى: (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ" )[النساء: 59].
2- وقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ" )[الحشر:7].
3- وقوله سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا" )[آل عمران: 32].
4- وقوله عز وجل: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ") [المائدة: 16،15].
5- وقوله تعالى
أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ") [ص:29]. قال الحسن: تدبر آياته: اتباعه والعمل بعلمه.
أما عن نصوص السنة النبوية فمن ذلك ما يلي:
1- روي البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «أحسن الحديث كتاب الله, وأحسن الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها, وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين».
2- وروي الترمذي عن المقدام بن معد يكرب رفعه: «ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني, وهو متكئ على أريكته فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله, فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه, وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه, وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله».
ولأبي داود «ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه, ألا يوشك رجل شبعان على أريكته ...»الحديث.
3- وفي خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حث على التمسك بالكتاب والسنة حيث قال: «وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا, أمرًا بينًا, كتاب الله, وسنة نبيه» رواه مالك.
وذكر النصوص في ذلك أمر يطول إيراده فلنكتفي بما أردنا إيضاحه وبيانه, والله المستعان.
إذًا فالإسلام في البداية والنهاية هو التسليم للكتاب والسنة, والكتاب والسنة فيهما بيان كل شيء مما يحتاجه المكلف, قال تعالى عن القرآن: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ" )[النحل: 89] وقال سبحانه وتعالى: (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ" )[يوسف:11].
وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ") [النحل:44].
وذلك أن القرآن الكريم مشتمل على كل ما يهم الناس في معاشهم ومعادهم, عقيدة وعبادة وسلوكًا, على المستوى الفردي والجماعي, المحلي والعالمي, وذلك في شتى المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحربية وغيرها وقد بينا ذلك في كتاب «مجالات الدعوة في القرآن وأصولها» وفصلنا النصوص القرآنية التي تدعو إلى شتى هذه المجالات الإنسانية والعقائدية والتشريعية والأخلاقية فليراجع في مكانه.
إذًا فالقرآن تبيانٌ لكل شيء, وهذا التبيان القرآني قد يكون بالنص والتصريح, وقد يكون بالإشارة والتلميح, وهذا الأمر ضمن للقرآن استمرارية العطاء للبشرية, وصلاحية الدين الإسلامي لكل زمان ومكان, فليس بعده دين يكمله أو ينسخه كما قال سبحانه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا") [المائدة: 3].
ثانيًا: أسباب العودة إلى الكتاب والسنة:
وإذا كنا ننادي الأمة الإسلامية ونطالبها بوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة قولاً وعملاً, دينًا ودولة, قوة واقتصادًا فإن لذلك أسباب هامة وأصيلة:
1- لأن منهاج الكتاب والسنة هو المنهاج الرباني الكامل المحفوظ من كل تغيير أو تبديل أو تحريف.
2- لأن الكتاب والسنة هما مصدر الوحي الذي يتسم بالشمولية والكمال لكل مناحي الحياة الإنسانية والوفاء بالإحتياجات البشرية كلها.
3- لأن الأمة جربت كل مناهج الضلال, ومذاهب العلمانية والإلحاد, وفتحت باب الشهوات على نفسها, وأعرضت عن الكتاب والسنة, وخلفت الأخلاق والقيم وراء ظهورها, فماذا كانت النتيجة؟ أنها صارت إلى ما صارت إليه اليوم مما وصفناه وقدمناه آنفًا ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
4- لإزالة شبهات الطاعنين وردها: وذلك نظرًا لأن الإسلام هو الدين الذي ختم الله به الرسالات السماوية, وكان آخر حلقة في سلسلة اتصال السماء بالأرض فإنه بصفة خاصة يتعرض أكثر من غيره لإثارة الشبهات حوله, والطعن في أصوله وثوابته خاصة القرآن والسنة وكذلك الطعن في ناقلي هذا العلم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وما ذاك إلا لأن القرآن: (مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ")[المائدة:48].
والشبهات التي تثار ضد الإسلام منذ كان وحتى اليوم مكررة ولا تختلف مع بعضها إلا في الصياغة أو محاولة إعطائها صبغة علمية زورًا وبهتانًا والعلم منها براء, وقد نهض مفكرو الإسلام وعلماء السنة بالقيام بواجبهم في الرد على هذه الشبهات كل بطريقته الخاصة, وبأسلوبه الذي يعتقد أنه هو السبيل الأقوم للرد.
5-لأن مدار السعادة في الدنيا والآخرة قائم على الالتزام بهما والإعتصام بحبلهما, وهذه السعادة إنما تكون لمن أرادها وبحث عنها في مظانها, وذلك لأن العبد إذا عرف ربه وآمن به حقًا, وصدق برسله يقينًا, فإن يلتزم بشرعه الذي أنزله, تطيب حياته , ويسعد بعد مماته كما قال عز وجل: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى")[طه:123].
وخلاصة القول أن السعادة في الالتزام بشرع الله تعالى ودينه, وما شرعه ودينه إلا الكتاب والسنة والإلتزام بهما في طول الحياة الإنسانية وحتى الممات بإذن الله تعالى.
لكل هذه الأسباب ولغيرها أيضًا نعلم جيدًا لماذا نطالب بالعودة إلى هدى الكتاب والسنة المطهرة, وإلى تحكيم الشريعة الحقة شريعة القرآن والسنة.
ثالثًا: صور العودة إلى الكتاب والسنة:
أما العودة إلى هدي الكتاب وإلى هدي السنة فهي تتمثل كما نراها في المسائل الأربعة التالية بإذن الله:
1- العودة إلى العلم بالكتاب والسنة:
ومعنى ذلك أن تعني الأمة الإسلامية على القيام بتعليم أبناءها العلم الشرعي المتعلق بالكتاب والسنة, والعمل على إحياء هذه العلوم بين طلبة العلم تعلمًا وتعليمًا, وشرحًا وتفهيمًا, وحفظًا وإتقانًا, حتى تسري فيها روح العلم بنور الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم, فتحيا به القلوب الموات, وتسعد النفوس الحزينة, ويعود لنا أحفاد الصحابة والتابعين, وأحفاد عمر وخالد وأبو عبيدة وصلاح الدين رضي الله عنهم أجمعين.
ونعني بعلم الكتاب والسنة, ما يلي:
أ- أما علم الكتاب: فيتمثل في طلب العلوم القرآنية التي تدلنا على معاني القرآن, وعلى ناسخه ومنسوخه, وعلى المحكم والمتشابه, وعلى معرفة أسباب نزول القرآن, ونوجزها فيما يلي:
1- علم التجويد وأدب التلاوة خاصة في الجانب العملي.
2- علم أسباب النزول وأمكنة النزول لفهم وقائع وأسباب نزول القرآن.
3- علم الناسخ والمنسوخ حتى يُفهم الحكم الناسخ والمنسوخ عند العمل به.
4- علم الرسم العثماني.
5- علم القراءات المتواترة وغيرها.
6- علم غريب القرآن.
7- علم التفسير بأقسامه وهو من أجل علوم القرآن لفهم مراد الله تعالى.
8- علم ترجمة القرآن.
9- علم الفهارس القرآنية.
هذه أهم علوم الكتاب المطلوب العودة إليها تعلمًا وتعليمًا, وحفظًا وإتقانًا باختصار.
ب- أما علم السنة: أما بالنسبة إلى علم السنة النبوية فهو لا يقل أهمية عن الحديث عن القرآن وعلومه, لأن السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع, ولأنها أيضًا هي المفسرة للقرآن والمبينة لمجمله, ولمبهمه, ولخاصه ولعامه, ولأن كتاب الله لا يفهم غالبًا إلا من خلالها بالتبيين الذي بينه النبي .
وهذه بعض علوم السنة الهامة, والتي يحتاج إليها طالب العلم والباحث عن المعرفة الصحيحة:
1- علم الجرح والتعديل.
2- علم معرفة الصحابة وأحوالهم.
3- علم تاريخ الرواة وحياتهم.
4- علم معرفة الأسماء والألقاب والكنى.
5- علم مصطلح الحديث ومعرفة الصحيح والحسن والضعيف, وكذا معرفة المتواتر والآحاد, والموضوع وأقسامه وغيرها.
6- علم الناسخ والمنسوخ في السنة وما يترتب عليها من أحكام شرعية.
2- العودة إلى العمل بالكتاب والسنة والتحاكم إليهما:
وهذه أيضًا من أعظم صور العودة إلى الكتاب والسنة, أن يكون العمل بهما شعار المؤمنين, ومنهاج حياتهم, ودستور أخلاقهم.
إن على أفراد أمتنا أن تأخذ بجد وعزيمة على أنفسها أحكام القرآن, وكذا أحكام السنة موضع العمل الحياتي الواقعي, فلا تكتفي بإلقاء الخطب والمحاضرات, ونشر الكتب الإسلامية, والأشرطة والمجلات الدعوية, بل لابد لهذا الدين من واقع يسري فيه, وحياة يعمل فيها, كما تصوره وكأنه أصحاب النبي , فقد تمثلوا الكتاب والسنة واقعًا عمليًا, ومنهاجًا هاديًا, وأخلاقًا كريمة, وآدابًا كاملة, وحبًا صادقًا, والتاريخ الإسلامي حافل بذلك المداد النوراني العظيم, قال سبحانه وتعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً") [الأحزاب:23].
وهكذا كان السلف والتابعون من بعدهم عاملين بالكتاب والسنة متحاكمين إليهما, آخذين بأحكامهما حتى سعدوا دنيا وأخرى رضي الله عنهم أجمعين.
إن اتباعنا للقرآن ملزم لنا عملاً أن نتدبره حينما نتلوه, وأن نتفهم آياته ومعانيه, كما قال سبحانه: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ")[ص:29].
وملزم لنا العمل به في حياتنا في مأكلنا ومشربنا, وفي ملبسنا وفي مدخلنا ومخرجنا, وفي أفراحنا وأتراحنا, وفي الرخاء والشدة, وفي السلم والحرب, وفي كل مناحي حياتنا وضروبها, هكذا نتمثله واقعًا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشي على الأرض.
وكان أيضًا النموذج العملي والقدوة الهادية في العمل بالسنة, في حياته وحتى مماته, وكذا نحن ملزمون بذلك كما قال سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا" )[الأحزاب:21].
بهداه أيهـــــا الداع اقتده واتبع الأخرى وأخلص في العمل
لقد علمنا النبي عليه الصلاة والسلام السنة الكاملة في مأكلنا ومشربنا, وفي سفرنا وإقامتنا, وفي سلمنا وحربنا, وفي شدتنا ويسرنا, وفي نومنا ويقظتنا, علمنا كل ذلك وأكثر من ذلك ومن شاء العلم والعمل فليرجع إلى كتب السنة النبوية من الصحاح والمسانيد والسنن, فإن فيها الخير الكثير, وأيسر الكتب الدالة على هديه وفضله كتاب زاد المعاد لابن القيم, والأذكار ورياض الصالحين للإمام النووي رحمهما الله تعالى.
والخلاصة: أن الواجب علينا أن نجعل العمل بالكتاب والسنة شعارنا في كل أمورنا وأحوالنا.
3- الدعوة إلى الكتاب والسنة:
إن الدعوة إلى الكتاب والسنة قولاً وعملاً, فهمًا وتطبيقًا, ليست من ضروب التطوع, كلا بل هي فرض على كل مسلم مكلف, لأنها دعوة إلى الله ورسوله, وهي دعوة إلى الاعتصام بالإسلام كله في عقائده وعباداته, وفي سلوكه وأخلاقه, وفي حياته ومعاملاته, فهي لازمة على المسلم, وهي كذلك جزء كبير من حمله رسالة التوحيد والهدي إلى جميع الخلق كل على قدر استطاعته وفي حدود إمكانياته المتاحة, وعلى قدر فهمه وعلمه, قال الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ") [يوسف: 108].
فأتباع النبي صلى الله عليه وسلم هم المؤمنون به, يدعون إلى الله على بصيرة, أي على علم ويقين, كما كان رسول الله يدعو إلى الله على بصيرة ويقين, ومن ذلك أن من اللوازم الضرورية لإيمان المسلم أن يدعو إلى الله, فإذا تخلف عن الدعوة, أو قصر في واجبها دل ذلك على وجود نقص وخلل في إيمانه يجب عليه تداركه بالقيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى.
إذًا الأمة الإسلامية بمجموع أفرادها شركاء في هذه الوظيفة الربانية مطالبون بها, لأنها تقوم بواجبها الذي فرضه الله عليها وأمرها به في نشر المبادئ السامية, والقيم الأخلاقية, والمفاهيم الإسلامية, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, مع كونها متمسكة بهذه المبادئ والأصول, وتلك الأخلاق والفضائل قال الله عز وجل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ") [آل عمران:110].
وإن من عجيب الأمر أن ترى اتباع الإلحاد والزندقة والعلمنة, وكذلك التنصير لهم دعاة يتحركون في كل أرجاء الأرض, من مبشرين ومنصرين وغيرهم, ويحملون هم ذلك مع أنهم على الباطل, أما أهل الحق والتوحيد فهم في غياهب الغفلات, وفي أودية الشهوات, لا يحملون هم هذا الدين, ولا هم الدعوة إليه, إلا القلة القليلة المؤمنة, التي نحسبها على الخير, ولا نزكيها على الله تعالى, فمن هنا ينبغي أن نعلم أننا مكلفون بهذا الأمر, وهذه الأمانة, فمن الواجب علينا نحن أمة الإسلام, أن نتحرك, وأن ندعوا إلى الحق الذي نحمله.
إن العمل للإسلام أصبح اليوم ضرورة ملحة لمواجهة التحديات القائمة, والمؤامرة الكبيرة التي تحاك للنيل من الإسلام وأهله.
وإن مسئولية العمل للإسلام واجب تكليفي شرعي, تعد مسئولية فردية, فمن لم يحمل هم المسلمين فليس منهم, كما هي واجب جماعي من حيث الحركة التنفيذية, إنه لا ينبغي على المسلم أن يعيش لشهوات نفسه وملذاتها فقط, بل إنه خلق ليقيم رسالة الله في أرضه, ويقيم خلافته الراشدة, فعلى المسلم أن يعيش للإسلام وللإيمان, لا أن يعيش للدنيا والشهوات, بل يشارك في حمل هذا العبء الثقيل ليكون أهلاً لرضوان الله في الآخرة وليكون أهلاً لكرامته.
4- الصبر على الإيذاء في سبيلهما:
وهذه أيضًا من جوانب العودة إلى الكتاب والسنة وصورة من صورها الرائعة, إنها صورة الصبر على الإيذاء والسخرية الذي يتعرض له الدعاة إلى الله, على طول الطريق, فإن طريق التمكين ليست بالسهلة اليسيرة, لأنها تحتاج إلى علم وحكمة وعمل, وكذا صبر دائم دؤوب, لأن الابتلاء للدعاة والمصلحين سنة من سنن الله تعالى, (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ"), فالدعاة يبتلون بأذى الكفرة والمشركين والملحدين بالقول والكيد والتعذيب, ونحن نرى كل يوم على صفحات الجرائد والصحف والمجلات التي تشرع للعهر والدعارة, وتعلن الحرب على مسلمات هذا الدين, وعلى الدعاة إلى الله, وتعمل على النيل منهم والتشهير بهم وتشويه صورتهم, وكل هذه الألوان من أنواع الابتلاء وسننه.
إن البلاء قد يشتد بالدعاة إلى درجة كبيرة, ومع ذلك فهم صابرون محتسبون على طول الطريق وآلامه.
فعلى الداعية المسلم أن يقابل الأذى الذي يلقاه من أعدائه وخصومه بالصبر الجميل, فإن هذا الصبر, هو الطريق الثقيل لإعداد الرجال, وتربية الأبطال, وصناعة الأمة الإسلامية من جديد لذلك أمر به النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ابتداءً كما قال تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً")[المزمل:5], وقال تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ" )[النحل:127].
ويرحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية يوم أن عرف حقيقة هذا الطريق, وحقيقة السير فيه فأفصح قائلاً: «ما يفعل بي أعدائي, أنا جنتي معي, وبستاني في صدري, إن قتلي شهادة, ونفيي سياحة, وسجني خلوة, وتعذيبي جهاد في سبيل الله».
إن الذين حاربوا الدعوة والدعاة ومبادئ الإسلام وعقائده ذهبوا في مزبلة التاريخ وبقيت لنا أمثالهم عبرة وعظة.
وإن الذين صبروا وجاهدوا على دعوتهم ومبادئهم المثلى, انقلبوا إلى فضل من الله ورضوان, ولم يمسسهم سوء بل فازوا بإحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة وبقيت لنا ذكراهم عاطرة فواحة (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ").
نقول أخيرًا إن الذين يحاولون إحياء روح الدعوة والعودة إلى الكتاب والسنة نقول لهم: (اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ") [الأعراف:128].
هذه بعض صور العودة إلى الكتاب والسنة كما نراها فإن كنا أصبنا فمن الله وحده وإن لم نصب فنسأل الله المغفرة والستر في الدنيا والآخرة, آمين