إن التغيير النظري والعملي الذي أحدثته الجماعات الإسلامية في واقع الأمة الإسلامية لهو من السعة والعمق والاستقرار بحيث يبشر بمستقبل زاهر للمسلمين ولكن قياس وسبر أعماق ذلك التغيير وحدوده في الأمة المسلمة ليس بالأمر الهين خاصة في ظل التناقض الظاهري للمناهج المعتمدة لدى تلك الجماعات في الدعوة إلى الله عز وجل.
وقد يتساءل متسائل ما أهمية قياس التأثير الذي تركته الجماعات الإسلامية في وقتنا هذا ثم أو لا يخشى من ذلك إثارة الشحناء جراء الاقتراب من هذه المساحة؟
والجواب بأن تقويم الأعمال البشرية منهج معتمد لبناء ونهضة أي أمة وحتى تتجنب العثرات الكبرى في مسيرتها خاصة إذا قصد بذلك التقويم تحديد طبيعة الأرضية التي تقف عليها الأمة في وقتنا هذا وكذلك تحديد طبيعة التحديات التي تواجهها ومن ثم الاقتراب الدقيق والمباشر من متطلبات الإصلاح والتجديد، ومما يعين على دقة التقويم هو الاعتماد على الأساليب العلمية للقياس والتقويم كالمنهج المقارن الذي أدى إلى تطور كثير من العلوم.
ولا أقصد بالفقرات التالية أن أقف على مفاضلة في تقويم أداء الجماعات الإسلامية إنما أريد أن أشير إلى بعض المعايير التي يمكن أن تساعد في فهم عمق التغيير الذي أحدثته الجماعات الإسلامية دون أن نغمط أحدا حقه قدر المستطاع ودون أن نقع في خصام المناهج المتعارضة ظاهريا، ويجدر بنا هنا أن نتذكر قوله عز وجل: )كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( (البقرة:213) فلا يزال أتباع الحق يقعون في سنة الاختلاف في محاولاتهم للاهتداء والتعرف على الحق وإذا لم يكن لهم من الله هدى فإن أقدامهم توشك أن تزل، وإن أحد الشروط التي تمنع اختلافهم وتضمن لهم الاهتداء هو أن لا يبغي بعضهم على بعض أي لا يتجاوزا حدودهم وأصل أخوتهم فإن بغوا هلكوا ودليل ذلك ما أورده القرطبي في تفسير قولـه عز وجل: )بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ( (البقرة:90) قال: (بَغْياً) معناه حسداً؛ قاله قتادة والسُّدّى. (انتهى) فليتأمل الدعاة ما حصل بينهم من فراق فإن غالبه التجاوز والحسد.
ولو تأملنا مساحات عمل الدعوة الإسلامية المعاصرة فإنها قد انداحت في دوائر واسعة يمكن التمييز بينها وفق الأطر العامة التي حددتها الشريعة الإسلامية ووفق حدود الاجتهادات التي عملت من خلالها مناهج الدعوات المختلفة المعاصرة، وهذه الدوائر يمكن تبينها في ثلاثة ميادين وهي:
الميدان الأول: الميدان الدعوي
الميدان الثاني: الميدان السياسي
الميدان الثالث: الميدان الجهادي
فقد تحددت الدائرة الأولى بالميدان الدعوي والذي يمكن أن يوصف بأنه أداء مباشر استهدف الإصلاح الفردي والجماعي من خلال المناهج التربوية المبثوثة في القرآن الكريم والسنة المطهرة ووفق التطبيقات المتنوعة للمسلمين في العصور المختلفة.
ويمكن تفريع الميدان الدعوي إلى مجالات الأداء التالية:
الأداء الشرعي والعلمي
الأداء التربوي والإيماني
الأداء الاجتماعي والأخلاقي
وأما الدائرة الثانية فقد تعدت هذا الميدان لكي تدخل في ميدان السياسة والذي يتحكم في أوضاع الأمة العامة ويرسم مناهجها في المجالات المختلفة، وبتأمل ميدان العمل السياسي يمكننا تفريعه إلى مجالات الأداء التالية:
الأداء الفكري والإعلامي
الأداء السياسي الداخلي (شؤون الحكم والسياسة في الأمة)
الأداء السياسي الخارجي (شؤون علاقة الأمة بغيرها من الأمم)
وأما الدائرة الثالثة فقد تجاوزت ميدان العمل السياسي لكي تدخل في تجارب عملية في الميدان الجهادي والذي هو ذروة سنام الأمر كما ورد من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـه: "وأما ذروة سنامه فالجهاد في سبيل الله" رواه أحمد· وبتأمل الميدان الجهادي يمكننا تفريعه إلى مجالات الأداء التالية:
الأداء الجهادي الداخلي (مجاهدة المنافقين ومناهج العلمنة)
والأداء الجهادي الخارجي (جهاد الكفار بمختلف مللهم)
وبالنظر إلى الممارسات الدعوية المخلتفة وأداء الجماعات الإسلامية فإن كل ميدان من تلك الميادين الثلاثة قد تحققت فيه إنجازات عملية مباركة للدعوة الإسلامية المعاصرة يمكن استثمارها لتحديد معايير الأداء الإسلامي إيجابا وسلبا وللوصول إلى مساحات الإنجازات في كل ميدان من الميادين الثالثة السابقة الذكر فقد اجتهدت في تقسيم الميادين الثلاثة بتفريعاتها المذكورة إلى معايير تشبه المسطرة[1] بحيث يمكن استخدام تلك المعايير لقياس إنجازات الجماعات والحركات الإسلامية بشكل علمي ودقيق لعل ذلك يدفع باتجاه تحسين الأداء الإسلامي وتوضيح أبعاده وتخفيف الانغلاق الذي درجت عليه أغلب الجماعات الإسلامية على أن يكون الهدف من هذه المسطرة ما يلي:
1- اعتماد رؤية علمية لتقييم مناهج الاجتهاد عند الحركات المختلفة.
2- تحديد مدى الانعكاس العملي لتلك الاجتهادات المختلفة على واقع الأمة.
3- رؤية مدى التداخل والتكامل في إنجازات الجماعات وحاجة بعضها إلى بعض.
الميدان الأول: معايير الأداء في الميدان الدعوي وفيه معايير الأداء التالية:
أ/معايير الأداء الشرعي والعلمي:
1- مدى الجهود المبذولة في تصحيح العقيدة ومحاربة البدع.
2- مدى خدمة العلوم الشرعية بمجملها من خلال النشر.
3- مدى خدمة العلوم الشرعية بمجملها من خلال الدعوة العامة بالوسائل المختلفة.
4- مدى الجهود المبذولة للتعريف بالإسلام ومبادئه.
5- مدى الجهود المبذولة للرد على الشبهات.
6- مدى إيجاد المؤسسات الخادمة للعلوم الشرعية كالجامعات والمعاهد.
7- مدى الجهود المبذولة في ترجمة العلوم الإسلامية إلى اللغات العالمية.
8- مدى الجهود المبذولة لأسلمة العلوم الأخرى وتطوير الاجتهاد. كالاقتصاد وغيره.
9- مدى الجهود المبذولة في تفنيد وصد الغزو الثقافي للمسلمين.
ب/ معايير الأداء التربوي والإيماني:
1- مدى الجهود المبذولة في تربية وإعداد أجيال الشباب المسلم ومن خلال الوسائل القديمة والمعاصرة.
2- مدى الجهود المبذولة في إحياء السنن تطبيقا ودعوة.
3- مدى توظيف الآيات الكونية في تربية أجيال الأمة وتعميق إيمانها.
4- مدى العناية بنظام التعليم الحديث وتطويعه لصالح التربية الإسلامية.
ج/ معايير الأداء الاجتماعي والأخلاقي:
1- مدى العناية بالأسرة المسلمة وحمايتها أخلاقا وتربية وقانونا.
2- مدى العناية بالمرأة المسلمة وحمياتها.
3- مدى العناية برسالة المسجد وتوظيفه دعويا وتربويا.
4- مدى العناية بالقرآن الكريم حفظا وعلما.
الميدان الثاني: معايير الأداء في الميدان السياسي وفيه معايير الأداء التالية:
أ/ معايير الأداء الفكري والإعلامي:
1- مدى استثمار الأدوات الإعلامية المعاصرة.
2- مدى الجهود المبذولة في مصاولة أصحاب الفكر المعادي للإسلام.
3- مدى الجهود المبذولة في التجديد العلمي في كافة الميادين اعتمادا على الكتاب والسنة في مجال الدعوة (الزنداني، ديدات،سويدان،سيد قطب، وغيرهم) .
4- مدى الجهود المبذولة في تطوير الاجتهادات الدعوية لمقابلة المستجدات في واقع الأمة المسلمة والأمم من حولها.
ب/ معايير الأداء السياسي الداخلي: (شؤون الحكم والسياسة في الأمة)
1- مدى السقف السياسي المطروح من مثل (تطبيق الشريعة، البرلمان، الحريات والحقوق العامة، أسلمة القوانين..الخ).
2- مدى تحمل التبعات في سبيل الدعوة إلى الله من ضغوط وتهديد·
3- مدى النجاح في المحافظة على الاستقلال عن الأنظمة السياسية وعدم الاستقطاب والتوظيف.
4- مدى القيام بمهام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الممارسات السياسية.
5- مدى تمثيل الصوت الإسلامي في المواقع المختلفة كالبرلمانات وغيرها.
6- مدى النجاح في نزع أسباب التفجر والصراع في المجتمعات المسلمة.
7- مدى النجاح في إيجاد تجارب تطبيقية في واقع المسلمين.
8- مدى النجاح في أسلمة القوانين والنظم التي تحكم المجتمعات المسلمة.
ج/ معايير الأداء السياسي الخارجي (شؤون علاقة الأمة بغيرها من الأمم)
1- مدى الحضور الإسلامي في قضايا الأمة الكبرى.
2- مدى المشاركة في تطوير الاجتهاد في الممارسة السياسية.
3- مدى المشاركة في تطوير الخطاب الإسلامي لكي يتلاءم مع العقلية غير المسلمة.
4- القيام بمهام الدعوة والعناية بمجتمعات المسلمين في بلاد الكفر.
5- مدى اختراق المؤسسات العالمية السياسية والفكرية وتوصيل الصوت الإسلامي.
6- مدى الجهود المبذولة في مواجهة الغزو الفكري والسياسي للأمة كالشيوعية والتبشير النصراني والعولمة.
الميدان الثالث: معايير الأداء في الميدان الجهادي وفيه معايير الأداء التالية:
أ/ معايير الأداء الجهادي الداخلي: (مجاهدة المنافقين ومناهج العلمنة)
1- مدى تحمل تبعات الدعوة في سبيل الله من التضييق والقتل والهجرة والسجن.
2- مدى العناية بفتح مجال الدعوة والتأثير دون الدخول في الصراع المباشر وتفويت الفرصة على الأعداء.
3- مدى العناية بدماء المسلمين وحقنها.
4- مدى المشاركة في طرح أبعاد المشروع الإسلامي ووضعه قيد التنفيذ.
ب/ معايير الأداء الجهادي الخارجي: (جهاد الكفار بمختلف مللهم)
1- مدى احتواء المنهج الاجتهادي والمقولات الأساسية على مفردة الجهاد واعتماده كركن لعودة الإسلام إلى الحياة.
2- مدى المشاركات الجهادية المباشرة في رد اعتداءات الكفار على محرمات المسلمين.
3- مدى الدعم المعنوي (السياسي والإعلامي وغيره) المبذول للمجاهدين وقضايا المسلمين الجهادية.
4- مدى الدعم المادي والخيري المبذول للمجاهدين وقضايا المسلمين الجهادية.
5- مدى المساهمة في إدارة شؤون الجهاد وتطويره وإيجاد المنافذ والسبل أمامه حتى لا يتوقف فالجهاد ماض إلى قيام الساعة حسب ما ورد في الصحيح.
وعلى ضوء تلك المعايير والتي يمكن أن تخضع للتعديل والتحسين يمكن التوقف الدقيق عند أداء الجماعات الإسلامية المختلفة وتحديد مؤشرات وملامح إنجازاتها خلال العقود الثلاثة الماضية أي خلال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وهو ما سوف أبسطه في المفردة التالية.
كاتب الموضوع : أحمد صابر
تاريخ الموضوع : 25/5/2008 و 20/5/1429 هـ