دمعات قلب
عدد الرسائل : 467 المزاج : معتدل تاريخ التسجيل : 05/05/2008
| موضوع: مقاطع من جغرافيا بديله ( ايمان مرسال) الإثنين يوليو 21, 2008 6:55 pm | |
| مقاطع من "جغرافيا بديلة" لماذا جاءت إلى البلاد الجديدة؟ هذه المومياء؛ موضوع الفُرجة ترقد بزينتها في كتّانٍ رماديّ: حياةٌ متخيلةٌ في فترينة متحف. أظن أن التحنيط مسألةٌ ضد الخلود لأن الجسد لن يكون أبداً جزءاً من وردة. المومياء لم تختر هجرتها بينما هؤلاء الذين انتظروا طويلاً في طوابير السفارات، وبنوا بيوتاً في بلادٍ أخرى، يحلمون بالعودة عندما يصبحون جثثاً يجب أن تحملونا إلى هناك ـ هكذا يتركون الوصايا في أعناق أولادهم ـ كأن الموت هويةٌ ناقصةٌ لا تكتمل إلا في مقبرة الأُسرة. *** هنا أيضاً أشجارٌ خضراء تقف تحت ضغط الثلج، وأنهارٌ لا يتعانق بجانبها عشاقٌ خلسة، بل يجري بموازاتها رياضيون مع كلابهم في صباح الأحد، دون أن ينتبهوا للمياه التي تجمدت من الوحدة. ومهاجرون لم يتدربوا على محبة الطبيعة ولكنّهم يصدّقون أن نسبةَ التلوث أقل، وأن بإمكانهم إطالة أعمارهم بمضغ الأوكسجين قبل النوم عبر كبسولاتٍ هوائية. *** لماذا لم ينسوا أنهم من هناك؟ الغرباءُ الفَشَلةُ يدرّبون عضلات أفواههم على التخلّص من اللكنة، اللكنة هي المرض الوراثي الشفّاف الذي يفضحهم، يقفز عندما يغضبون فينسون كيف يضعون أحزانهم في لغةٍ أجنبيةٍ اللكنةُ لا تموت، ولكن الغرباءَ حفارو قبورٍ بجدارة يعلّقون على باب الثلاجة أسماء من ماتوا من الأهل حتى لا يخطئوا ويطلبوهم في التليفون. ويدفعون رُبع أجورهم لشركات الاتصال ليتأكدوا أنهم موجودون في مكانٍِ يمكن تحديده ببعده عن الطفولة لماذا لم ينسوا؟ *** يجب شراء organic food ولكني منذ ساعة أتأمل صورة أمي جالسة على عتبة دار أبيها التي لم تعد هناك ؛ أقصد العتبة، رغم أن أمي نفسها لم تعد هناك. لا أحد يمرّ في الشارع لأن العربات تدخل وتخرج بالريموت كنترول. كنتُ قد اشتريتُ هذا البيت الذي لا يمكنني الجلوس على عتبته من أرملة نحاتٍ أسبانيّ، كان قد بناه على أرضِ تؤول إلى مهاجرٍ أوكرانيّ أعطتها له الحكومة الكنديّة بعد نزعها من الهنود الحُمر ؛ لكي تقيم مدينةً فيها عدة جامعات وعشرات من الشوبنج مول وآلاف مثلي يعرفون الفوائدَ الصحيةَ للأورجانيك فوود ويمتلكون عربات تدخل وتخرج بالريموت كنترول. *** في ست خطواتٍ فقط، يكتب المغترب رسالةً ناجحةً إلى الأهلِ: - يختار لحظةً لا يفتقدهم فيها. - يجلس وظهره للشارع لأن الحوائط أكثر حيادية. - يوزّع السلامات بدقة. - يستحضر المجازات التي تربَّى عليها، المجازات التي ظن أنه لن يلمسها يوماً مثل (أحبكم عدد نجوم السماء وعدد حبات الرمال وأشتاق إليكم كما يشتاق العطشان إلى الماء والعليل إلى الدواء والغريب إلى الوطن). - يتفادى ذكر تفاصيله اليومية لأنه لا يعرف كيف سيؤوّلونها. - يكرّر"الحمد لله" كثيراً حتى يطمئنوا على إيمانه. *** ما تعلّمتَهُ هنا لا يختلف عمّا تعلّمتَهُ هناك: _ القراءةَ كتذكرةِ مرورٍ إلى تغييبِ الواقع. _ تخْبِئةَ الخجلِ تحت ألفاظٍ بذيئةٍ. _ إخفاءَ الضعفِ عبر إطالة الأظافر. _ تسريبَ الأرق في التدخين دائماً وفي ترتيب الأدراج أحياناً. _ توفيرَ ثلاثة أنواع من قطرة العيون من أجل توضيح الرؤية ثم الاستمتاع بالعمى. والأهم، تلك اللحظة الرائعة من إغماض الجفون على حريق. هنا وهناك تبدو الحياة وكأنها موجودةٌ فقط لتُراقَب من بعيد. *** دقائق وتدخُلك السَّكينةُ التي لا يبحث عنها أحدٌ فقط اترك رأسَكَ تحت الماء كيف؟ الفكرة التي تبرق مثل لؤلؤةٍ في سلة مهملات؟ كيف تُهدِرُها هكذا؟ إنها فكرتك أنت؛ مختلفةٌ عنك وأصيلةٌ، هذه الثواني ليست معدودات ؛ إنها النصلُ الفاصلُ بين زمنين تذكّر الأطباقَ القذرةَ في المطبخ... البريدَ الذي يحمل إعلانات، المصابيحَ التي تسلِّط نفسها في حدقتيك... الرحمةُ التي لم تعرف أنك تبحث عنها. معك. ستدخل إلى رئتيك إذا تركتَ جسدَك يهبط، يهبط للقاع... تحت الماءِ ثواني أخرى، لا حاجة للخوف الزمن لن يفعل شيئاً على الإطلاق لن يجعل لشجاعتك ثقلاً يأخذك لأسفل الزمن ليس مهماً، إنه مجرد زمن. *** في قارةٍ أخرى، تركتَ أعداءً مساكين، يجب أن تخجل من نفسك عندما تتذكرهم لا شيء يغضبك الآن، من الصعب أن تقابل شيوعياً كلاسيكياً هنا، حتى إنهم يضعون ساعةً في المكاتب العمومية بدلاً من صورة الرئيس. ربما يكون كابوساً أن تقضي يوماً كهذا تحت تأثير المهدئات. لا شيء جدير بأن تتمرد عليه. أنت مرْضيٌّ وميتٌ والحياةُ من حولكَ تبدو مثل يدٍٍ رحيمةٍ أضاءت الغرفةَ لعجوزٍٍ أعمى ليتمكّن من قراءة الماضي. | |
|