ونحو ذلك فوازن بين هذه الالفاظ وبين قول القائل ما شاء الله وشئت ثم انظر أيهما أفحش يتبين لك أن قائلها أولى لجواب النبي لقائل تلك الكلمة وأنه إذا كان قد جعله ندا لله بها فهذا قد جعل من لا يداني رسول الله في شيء من الأشياء بل لعله أن يكون من أعدائه ندا لرب العالمين فالسجود والعبادة والتوكل والانابة والتقوى والخشية والتحسب والتوبة والنذر والحلف والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد والاستغفار وحلق الرأس خضوعا وتعبدا والطواف بالبيت والدعاء كل ذلك محض حق الله لا يصلح ولا ينبغي لسواه من ملك مقرب ولا نبي مرسل وفى مسند أحمد الامام أن رجلا أتى به إلى النبي قد
أذنب ذنبا فلما وقف بين يديه قال اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد فقال قد عرف الحق لأهله فصل
وأما الشرك فى الارادات والنيات فذلك البحر الذى لا ساحل له وقل من ينجو منه فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئا غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك فى نيته وإرادته والإخلاص أن يخلص لله فى أفعاله وأقواله وإرادته ونيته وهذه هى الحنيفية ملة ابراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم ولا يقبل من أحد غيرها وهى حقيقة الإسلام كما قال تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين وهى ملة ابراهيم عليه السلام التي من رغب عنها فهو من أسفه السفهاء فصل
وإذا عرفت هذه المقدمة انفتح لك باب الجواب عن السؤال المذكور فنقول ومن الله وحده نستمد الصواب حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به هذا هو التشبيه فى الحقيقة لا اثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسول الله فعكس من نكس الله قلبه وأعمى عين بصيرته وأركسه بلبسه الأمر وجعل التوحيد تشبيها والتشبيه تعظيما وطاعة فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الالهية فإن من خصائص الألهية التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل به وحده فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق وجعل من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا أفضل من غيره تشبيها بمن له الأمر كله فازمة الأمور كلها بيديه ومرجعها اليه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع بل إذ فتح لعبده باب رحمته لم يمسكها أحد وإن أمسكها عنه لم يرسلها إليه أحد فمن أقبح التشبيه تشبيه هذا العاجز الفقير بالذات بالقادر الغني بالذات ومن خصائص الالهية الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده والتعظيم والاجلال والخشية والدعاء والرجاء والانابة والتوكل والاستعانة وغاية الذل مع غاية الحب كل ذلك يجب عقلا وشرعا وفطرة أن يكون له وحده ويمنع عقلا وشرعا وفطرة أن يكون لغيره فمن جعل شيئا من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن لاشبيه له ولاند له وذلك أقبح التشبيه وأبطله ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم أخبر سبحانه عباده أنه لايغفره مع أنه كتب
على نفسه الرحمة ومن خصائص الألهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما غاية الحب مع غاية الذل هذا تمام العبودية وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الاصلين فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله فقد شبهه به في خالص حقه وهذا من المحال أن تأتي به شريعة من الشرائع وقبحه مستقر في كل فطرة وعقل ولكن غيرت الشياطين فطر أكثر الخلق وعقولهم وأفسدتها عليهم واحتالتهم عنها ومضى على الفطرة الأولى من سبقت له من الله الحسنى فارسل اليهم رسله وأنزل عليهم كتبه بما يوافق فطرهم وعقولهم فازدادوا بذلك نورا على نور يهدي الله لنوره من يشاء اذا عرف هذا فمن خصائص الالهية السجود فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به ومنها التوكل فمن توكل على غيره فقد شبهه به ومنها التوبة فمن تاب لغيره فقد شبهه به ومنها الحلف باسمه تعظيما وإجلالا فمن حلف بغيره فقد شبهه به هذا فى جانب التشبيه وأما فى جانب التشبه به فمن تعاظم وتكبر ودعا الناس الى اطرائه فى المدح والتعظيم والخضوع والرجاء وتعليق القلب به خوفا ورجاء والتجاء واستعانة فقد بالله ونازعه فى ربوبيته وإلهيته وهو حقيقه بأن يهنيه غاية الهوان ويذله غاية الذل ويجعله تحت أقدام خلقه وفى الصحيح عنه قال يقول الله عز وجل العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما عذبته وإذا كان المصور الذي يصنع الصورة بيده من أشد الناس عذابا يوم القيامة لتشبه بالله فى مجرد الصنعة فما الظن بالتشبه بالله فى الربوبية والالهية كما قال النبي أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم وفى الصحيحين عنه أنه قال قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلق فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة فنبه بالذرة والشعيرة على ما هو أعظم منهما وأكبر والمقصود أن هذا حال من تشبه به في صنعة صورة فكيف حال من تشبه به فى خواص ربوبيته وإلهيته وكذلك من تشبه به فى الاسم الذي لا ينبغي إلا لله وحده كملك الاملاك وحاكم الحكام ونحوه وقد ثبت في الصحيح عنه أنه قال أن أخنع الاسماء عند الله رجل يسمى بشاهان شاه ملك الملوك ولا ملك الا الله وفي لفظ أغيظ رجل علي الله رجل يسمى بملك الاملاك فهذا مقت الله وغضبه على من تشبه به فى الاسم الذى لا ينبغي الاله فهو سبحانه ملك الملوك وحده وهو حاكم الحكام وحده فهو الذى يحكم علي الحكام كلهم ويقضي عليهم كلهم لا غيره
فصل
إذا تبين هذا فههنا أصل عظيم يكشف سر المسألة وهو أن أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به فان المسيء به الظن قد ظن به خلاف كماله المقدس فظن به ما يناقض أسماؤه وصفاته ولهذا توعد الله سبحانه الظانين به ظن السوء بما لم يتوعد به غيرهم كما قال تعالى عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا وقال تعالى لمن أنكر صفة من صفاته وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فاصبحتم من من الخاسرين وقال تعالى عن خليله ابراهيم إنه قال لقومه ماذا تعبدون أإفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين أي فما ظنكم أي يجازيكم به إذا لقيتموة وقد عبدتم غيره وماذا ظننتم به حين عبدتم معه غيره وماظننتم باسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى عبودية غيره فلو ظننتم به ما هو أهله من أنه بكل شيء عليم وهو على كل شيء قدير وأنه غني عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه وأنه قائم بالقسط على خلقه وأنه المتفرد بتدبير خلقه لا يشرك فيه غيره والعالم بتفاصيل الأمور فلا يخفي عليه خافية من خلقه والكافي لهم وحده فلا يحتاج إلى معين والرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرؤساء فأنهم يحتاج الى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجهم إلى من يعينهم علي قضاء حوائجهم والى من يسترحمهم وإلى من يستعطفهم بالشفاعة فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم وضعفهم وعجزهم وقصور علمهم فأما القادر على كل شيء الغني عن كل شىء الرحمن الرحيم الذى وسعت رحمته كل شىء فادخال الوسائط بينه وبين خلقه نقص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده وظن به ظن سوء وهذا يستحيل ان يشرعه لعباده ويمتنع فى العقول والفطر وقبحه مستقر في السليمة فوق كل قبيح يوضع هذا أن العابد معظم لمعبوده متأله خاضع ذليل له ورب تعالى وحده هو الذى يستحق كمال التعظيم والجلال والتأله والتذلل والخضوع وهذا خالص حقه فمن أقبح الظلم أن يعطى حقه لغيره أو يشرك بينه وبينه فيه ولا سيما الذى جعل شريكه فى حقه هو عبده ومملوكه كما قال تعالى ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم الآية أي إذا كان أحدكم يأنف أن يكون مملوكه شريك له فى رزقه فكيف تجعلون لى من عبيدي شركاء فيما أنا به متفرد وهو الآلهية التى لاتنبغي لغيري ولا تصح لسوائي فمن زعم ذلك فما قدرني حق قدري ولا عظمني حق عظمتي ولا أفردني بما أنا متفرد به وحدي دون خلقى فما قدر الله بحق قدره من عبد معه غيره كما قال تعالى يا أيها الناس ضرب مثلا فاستمعوا له
إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له إلى قوله لقوي عزيز فما قدر الله حق قدره من عبد معه غيره من لايقدر علي خلق أضعف حيوان وأصغر وإن يسلبهم الذباب شيئا مما عليه لم يقدروا على الاستعاذة منه قال تعالى وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة الآية فما قدر من هذا شأنه وعظمته حق قدره من أشرك معه فى عبادته من ليس له شىء من ذلك البتة بل هو أعجز شىء وأضعفه فما قدر القوي العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل وكذلك ما قدره حق قدره من قال أنه لم يرسل إلى خلقه رسولا ولا أنزل كتابا بل نسبه إلى مال يليق به ولا يحسن منه من إهمال خلقه وتضييعهم وتركهم سدي وخلقهم باطلا عبثا وكذا ما قدره حق قدره من نفي حقائق أسمائه الحسنى وصفاته