تاريخ صدام المؤلم
يبدو للوهلة الأولى، من خلال متابعة الأحداث وما تتناقله وسائل الإعلام، بشان الأزمة العراقية، ان أمريكا جادة في إسقاط النظام، ولكن هل واقع الحال كذلك ؟
يعرف العراقيون قبل غيرهم حجم معاناتهم، خلال فترة حكم النظام الدكتاتوري وحزبه، فبعد انقلاب 8فبراير 1963، بأشهر صرح احد أقطابة صالح السعدي، بأنهم" جاؤا بقطار أمريكي"، بعد ان انقلب عليهم شريكهم عبد السلام عارف.ولم تمر سنوات طوال حتى عادوا للحكم ولكن هذه المرة بثوب من حرير وشعارات تناغم مشاعر كل مواطن عراقي يحلم بالحرية والعدل والمساواة..
لكن الانقلابيين لم ينسوا مهمتهم التي جاؤا من اجلها وهي جعل العراق البلد الغني يضيق بأبنائه، وبدا مسلسل الاغتيالات والإعدامات وتصفيات واسعة طالت كل القوى بذريعة قلب النظام، وأكمل النظام مهامه بتصفية كل من يشك في ولائه من كبار قيادة البعث الحاكم في حفل قتل جماعي، كما طالت التصفيات الواسعة كل القوى الدينية ورموزها، وفي سابقة خطيرة لم يعرفها تاريخ العراق الحديث - ولا حتى اي بلد يرتضي لنفسه - ان يرمي بالآلاف من أبنائه على الحدود بحجة أصولهم الإيرانية ولا يزال الكثير منهم في غياهب السجون، وإذا صح القول عما تقدم كانت بمثابة حرب النظام الأولى ضد الشعب، فيما كانت هناك مهمة أخرى تنتظر النظام، ان يقوم بدوره فيها وهي شن حرب على إيران وثورتها وبمباركة أمريكا طال أمدها ثمان سنوات وما كتب عن هذه الحرب الغير مبررة الشي الكثير، ومن الجدير ذكره هنا نشرت صحيفة( نيويورك تايمز )في الشهر المنصرم تقريرا عن ضباط أمريكان كبار، حول المساعدات الأمريكية للنظام في إطار برنامج سري ابان الحرب مع إيران في مجال استخدام السلاح الكيماوي والتخطيط القتالي ومعلومات لوجستية. وبعدها اعترف صدام في رسالة بعث بها الى السيد رفسنجاني وتناقلتها وكالات الأنباء، ان وراء إشعال الحرب كانت قوى خارجية. وهي الحرب الثانية، وقد خرج العراق منها بديون كبيرة وتضحيات بشرية، لكن بقي هناك جيش تعداده ما يقارب 4 ملايين ومخزون كبير من الأسلحة المتطورة والذي ترى أمريكا بقائه ليس في مصلحة المنطقة ويخل بالتوازن الاستراتيجي مع إسرائيل، فجرى افتعال أزمة الكويت وتوريطه في الدخول اليها عبر لقاء راس النظام وسفيرة الولايات المتحدة، ومرة ثالثة دفع الشعب العراقي فاتورة جرائم النظام، من خيرة أبنائه وثرواته، شاركه فيها الشعب الكويتي الشقيق.وهنا وقبله وجدت أمريكا فرصتها الذهبية من تفريغ العراق من كل شي إلا النظام وليس مقولتها ببعيدة، " بإعادة العراق إلى ما قبل الصناعة "، كما ان دورها المشين ليس ببعيد في قمع الانتفاضة وهي تراقب عن قرب كيف تتم تصفية المئات والألوف من الناس في لحظات دون ان يكون لها دور في منع ذلك، ويعرف الأكراد العراقيون قبل غيرهم مأساة الأنفال وسوق الأطفال والنساء والشيوخ إلى أماكن غير معلومة إلى يومنا هذا ويقدر عددهم 180 ألف مواطن، وكيف استفز علي كيماوي حين كان وزيرا للدفاع، من الرقم لا العملية عند سؤاله عن مصيرهم، وقال لا ادري من أين جاؤا بهذا الرقم حيث إن عددهم لا يتجاوز ال80 ألف ! ولازالت تعاني مدينة حلبجة لمن بقي منها على قيد الحياة بشرا وزرعا أثار استخدام الأسلحة الكيماوية...
أما لجان التفتيش والأجهزة المتطورة بالارتباط مع الأقمار الصناعية والتي استمرت 8 سنوات في البحث عن أسلحة الدمار الشامل هي غير معنية بالكشف عن المقابر الجماعية المنتشرة في عرض البلاد وطولها على الرغم من تصريح احد أعضائها السابقين " سكوت ريتر " بتدمير ما نسبته بين 90الى 95% من المصانع ووسائل الإنتاج المتعلقة بتطوير أسلحة الدمار الشامل. كل هذا وغيره جرى بمتابعة أو رعاية أمريكية، مباشرة أو غير مباشرة، ولو كانت هناك نوايا صادقة في مساعدة الشعب العراقي لكان من الأسهل على الولايات المتحدة ملاحقة رموز النظام في كل مكان من وزراء ومسؤولين وغلق السفارات وتقديمهم إلى المحاكم الدولية كمجرمي حرب وتجنيب الشعب الويلات ورفع الحصار عنه والكف عن التدخل في شؤون المعارضة، ودعم الأمم المتحدة بصلاحياتها لتقوم بتطبيق قراراتها ومنها المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان على سبيل المثال، لكن أمريكا غير معنية بمن يحكم العراق وشكل حكمه، إنما معنية بما يقدمه النظام - الحالي أو القادم للمصالح الأمريكية في العراق والمنطقة.
أن العراقيين يقاسون ويموتون على يد واحد من أكثر الطغاة الذين شهدهم العالم منذ الحرب العالمية الثانية وحشية.
ويعرف كل من يعرف شيئاً عن العراق والشعب العراقي أنه لا يريد التخلص من صدام وحسب، ولكنه ضحى بالكثير أيضاً خلال محاولات كثيرة فاشلة لتحقيق ذلك. ففي ثورة عام 1991، في أعقاب حرب الخليج، ثار سكان أربعة عشر إقليماً من أصل ثمانية عشر إقليماً ضد صدام وأطاحوا بنظامه في تلك الأقاليم. ولو لم يستخدم صدام المروحيات المدفعية والدبابات (بمعرفة الولايات المتحدة والحلفاء إن لم يكن بموافقتهم) لقصف المدنيين وضربهم بالقنابل، لكانوا زحفوا إلى بغداد أيضاً.
ويشكل تجاهل جرائم صدام موقفاً لاأخلاقياً، كما أن قبول جرائم صدام ضد السكان المسلمين والمسيحيين في العراق أو التغاضي عنها يخرق جميع المبادئ الإنسانية في الفقه الإسلامي واللاهوت المسيحي.
ومن الممكن، عبر استخدام القانون الدولي الرسمي، محاكمة صدام بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. فجرائمه لا تقل عن جرائم المتهمين الصرب والروانديين والكمبوديين الذين تجري محاكمتهم حالياً في محاكم دولية خاصة لجرائم الحرب.
في ما يلي مقتطفات من منظمات مستقلة لحقوق الإنسان حول جرائم صدام حسين:
هيومان رايتس ووتش
"لقد ارتكبت حكومة الرئيس صدام حسين انتهاكات فاضحة واسعة النطاق، شملت الاعتقالات العشوائية للخصوم السياسييين المشتبه بهم ولأقربائهم، والتعذيب الروتيني للسجناء وإساءة معاملتهم، والإعدامات المعجّلة بحق العسكريين والمحتجزين السياسيين كجزء من حملة "تطهير سجون"، والطرد القسري للأكراد والتركمان من كركوك وغيرها من المناطق." (تقرير 2002)
لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة
تبنت اللجنة قراراً يشجب بشدة "إنتهاكات الحكومة العراقية (صدام حسين) المنتظمة الواسعة النطاق والجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، مما نجم عنه قمع واضطهاد انتشرا في جميع الأنحاء وغذاهما تمييز وإرهاب على نطاق واسع." (01/4)
آمنستي إنترناشنال (منظمة العفو الدولية)
"أخضع السجناء والمحتجزون السياسيون لتعذيب منظم. وقد حملت أجساد الكثيرين من الذين أُعدموا علامات واضحة تشير إلى أنه قد تم تعذيبهم. وقد شملت أساليب التعذيب الجسدي المعتادة الصدمات الكهربائية أو حرق أجزاء مختلفة من الجسم بالسجائر، وقلع الأظفار، والاغتصاب، والتعليق من الأطراف لفترات طويلة إما من مروحة دوّارة متدلية من السقف أو من عمود أفقي، والضرب بالأسلاك (الكبلات) والعصي المعدنية وخراطيم المياه، والجلد. وعلاوة على ذلك، هدد السجناء بالاغتصاب وأخضعوا لإعدامات صورية. وقد وضعوا في زنزانات كان بإمكانهم سماع صراخ الآخرين الذين يجري تعذيبهم منها، وحرموا عن عمد من النوم." (أحدث تقرير)
الإبادة البشرية فى العراق
مقدمة
تهدف جريمة ابادة الجنس البشري Genocide الى قتل الجماعات او المجموعة البشرية بوسائل مختلفة وتعتبر من الاعمال الخطيرة التي تهدد أمن وسلامة المجتمع لأنها تؤدي الى ابادة أواضطهاد كائنات انسانية كليا او جزئيا بسبب طبيعتهم الوطنية او العرقية او السلالية او الدينية , وهي ترتكب بصورة عمدية ولا تنحصر اثارها على الوضع الداخلي للدولة التي تقع في نطاق حدودها الاقليمية و انما تمتد حتى الى الأسرة الدولية بسبب أثارها الشاملة . وهي ليست من الجرائم السياسية و انما تعد من الجرائم العمدية العادية حتى وان ارتكبت بباعث سياسي .
و يعود التطور التاريخي لهذه الجريمة الى العصر البابلي وجرى ارتكابها اثناء الحرب العالمية الاولى حين اسنتعمل الألمان الغازات السامة في فرنسا وكذلك في اثناء الحرب العالمية الثانية منذ عام 1939-1945 وما بعدها ضد الشعب الفلسطيني وضد الشعب الكردي سواء في كردستان العراق ام في مناطق العراق الاخرى كما حصل ضد الاكراد الفيلية من جرائم التهجير و الاختفاء القسري والاعدامات خارج نطاق القضاء وكذلك ضد الشيعة في وسط و جنوب العراق في أوقات مختلفة مما يؤكد أهمية وخطورة هذه الجريمة وكونها من الجرائم الماسة بحقوق الانسان الامر الذي دفع بالامم المتحدة الى وضع اتفاقيتين دوليتين لتنظيم احكامها وهو ما حثها الى عقد اجتماع في روما لتأسيس محكمة جنائية دولية عام 1998 ولدت الى النور في نيسان من عام 2002 واودعت الاتفاقية لدى الامم المتحدة وحدد قضاتها الذين سينظرون في مختلف الجرائم الدولية ومنها جريمة أبادة الجنس البشري .
ومما يتعلق بأنتهاكات حقوق الانسان وجريمة ابادة الجنس البشري هي سياسة الاضطهاد الطائفي التي يمارسها النظام ضد ابناء عشائر جنوب العراق ووسطة من اتباع المذهب الشيعي ولعل أوضح دليل على ذلك مظاهر التمييز الخطيرة ضدهم والأهانات والتحقير لسكان الجنوب من خلال سلسلة مقالات نشرت في صحيفة الثورة عقب الانتفاضة في نيسان عام 1991 التي تضمنت تلك الافكار عبارات الاهانة والتحقير وبخاصة ضد سكان الاهوار التي شككت في عروبتهم وعراقيتهم وهو ما وفر للنظام مناخا لضرب مدن الجنوب وسكان الاهوار بصنوف الاسلحة والتدمير لأبادة الجنس البشري وانشاء ما يسمة ب ( النهر الثالث - نهر صدام ) .ولاشك ان هؤلاء السكان يعيشون في منطقة تعد من اقدم مناطق العالم في التاريخ حيث شهدت اولى الشرائع القديمة وهي الشرائع البابلية والسومرية ومنها شريعة اور نمو ولبت عشتار وايشنونا ومن ثم شريعة حمورابي .
ولم تعد قضية حقوق الإنسان و الانتهاكات البليغة التي ترتكبها الأنظمة الدكتاتورية مسألة داخلية لا يمكن للاسرة الدولية أن تتدخل لوقف قمع السكان المدنيين أو أن يبقى المجتمع الدولي متفرجا من قضية التطهير العرقي أو الجرائم الدولية الخطيرة التي يرتكبها بعض الحكام الظالمين في أي بقعة من الأرض , وإنما أضحت مسالة احترام حقوق البشر قضية تهم المجتمع الدولي ولا تنحصر بشؤون الدولة الداخلية ولا تتعلق بالأمن الوطني فقط أو تخرق مبدأ التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي تنتهك هذه الحقوق , لان هذه الانتهاكات صارت مصدرا للقلق والنزاعات وعدم الاستقرار للمجتمع الدولي. و أضحت هذه الجرائم سببا خطيرا للنزاعات والحروب مما يؤثر استمرارها على الأمن والسلم الدوليين خصوصا إذا جاءت هذه الانتهاكات ضمن ممارسات ارهاب الدولة .
وفي العراق بلغت قضية إهدار حقوق الإنسان حدا خطيرا لا يمكن إغفاله , فالانتهاكات التي مارسها - وما يزال يمارسها النظام - منذ عام 1968 وحتى ألان وبخاصة ضد الكرد في كردستان العراق وضد الشيعة والتركمان و الاقليات الأخرى من سياسة التمييز و القمع والاضطهاد و التي ازدادت بعد اندلاع الحرب بين إيران والعراق عام 1980 وما تبعها من استعمال السلاح الكيماوي في مناطق متعددة من العراق و بخاصة في حلبجة عام 1988 و من احتلال دولة الكويت عام 1990 , و تجفيف الاهوار وتدمير البيئة وتسميم المياة وضرب مدن الجنوب بالصواريخ شكلت خرقا واضحا للدستور و لكل القوانين و الالتزامات الدولية والأعراف وحتى للديانات السماوية والقيم الإنسانية مما دفع مجلس الامن الى اصدار القرار رقم 688 لحماية الشعب العرب والكرد والاقليات الاخرى من بطش النظام .ولذلك لابد من الحديث عن هذه الجرائم وتقسيم البحث على النحو التالي :
القسم الاول : تحديد مفهوم جريمة ابادة الجنس البشري
القسم الثاني :الجرائم الدولية ضد الجنس البشري في جنوب العراق
التوصيات