المسترشد بالله أبو منصور الفضل بن المستظهر بالله ولد في ربيع الأول سنة خمس وثمانين واربعمائة وامه أم ولد وبويع له بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الآخر سنة اثنتى عشرة وخمسمائة وكان ذاهمة عالية وشهامة زائدة وإقدام ورأى وهيبة شديدة ضبط امور الخلافة ورتبها أحسن ترتيب واحيا رسم الخلافة ونشر عظامها وشيد اركان الشريعة وطرز اكمامها وباشر الحروب بنفسه وخرج عدة نوب إلى الحلة والموصل وطريق خراسان إلى ان خرج النوبة الأخيرة وكسر جيشه بقرب همذان وأخذ أسيرا إلى أذربيجان وقد سمع الحديث من ابى القاسم بن بيان وعبدالوهاب بن هبة الله السبتى وروى عنه محمد بن عمر بن مكى الأهوازى ووزيره على بن طراد وإسماعيل بن طاهر الموصلى ذكر ذلك ابن السمعانى وذكره ابن الصلاح في طبقات الشافعية ناهيك بذلك فقال هو الذي صنف له ابو بكر الشاشى كتابة العمدة في الفقه وبلقبه اشتهر الكتاب فإنه كان حينئذ يلقب عمدة الدنيا والدين وذكره ابن السبكى في طبقات الشافعية وقال كان في أول أمره تنسك ولبس الصوف وانفرد في بيت للعبادة وكان مولده في يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان سنة ست وثمانين وأربعمائة وخطب له ابوه بولاية العهد ونقش أسمه على السكة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وكافي مليح الخط ما كتب أحد من الخلفاء قبله مثله يستدرك على كتابه ويصلح اغاليط في كتبهم وأما شهامته وهيبته وشجاعته وإقدامه فأمر أشهر من الشمس ولم تزل أيامه مكدرة بكثرة التشويش والمخالفين وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك إلى ان خرج الخرجة الأخيرة إلى العراق وانكسر واخذ ورزق الشهادة وقال الذهبي مات السلطان محمود بن محمد ملكشاه سنة خمس وعشرين فأقيم ابنه داود مكانه فخرج عليه عمه مسعود بن محمد فاقتتلا ثم اصطلحاعلى الاشتراك بينهما ولكل مملكة وخطب لمسعود بالسلطنة ببغداد ومن بعده لداود وخلع عليهما ثم وقعت الوحشة بين الخليفة ومسعود فخرج لقتاله فلتقى الجمعان وغدر بالخليفة أكثر عسكره فظفر مسعود وأسر الخليفة وخواصه فحبسهم بقلعة بقرب همذان فبلغ أهل بغداد ذلك فحثوا في الأسواق التراب على رؤوسهم وبكوا وضجوا وخرج النساء حاسرات يندبن الخليفة ومنعوا الصلوات والخطبة قال ابن الجوزى وزلزلت بغداد مرار كثيرة ودامت كل يوم خمس مرات أو ستا والناس يستغيثون فأرسل السلطان سنجر إلى ابن أخيه مسعود يقول ساعة وقوف الولد غياث الدنيا والدين على هذا المكتوب يدخل على أمير المؤمنين ويقبل الأرض بين يديه ويسأله العفو والصفح ويتنصل غاية التنصل فقد ظهر عندنا من الآيات السماوية والأرضية مالا طاقة لنا بسماع مثلها فضلا عن المشاهدة من العواصف والبروق والزلازل ودام ذلك عشرين يوما وتشويش العساكر وانقلاب البلدان ولقد خفت على نفسى من جانب الله وظهور آياته وامتناع الناس من الصلاة في الجوامع ومنع الخطباء مالا طاقة لى بحمله فالله الله تتلاقى أمرك وتعيد أمير المؤمنين إلى مقر عزه وتحمل الغاشية بين يديه كما جرت عاداتنا وعادة آبائنا ففعل مسعود جميع ما أمره به وقبل الأرض بين يدي الخليفة ووقف يسأل العفو ثم أرسل سنجر رسولا آخر ومعه العسكر يستحث مسعودا على إعادة الخليفة إلى مقر عزه فجاء في العسكر سبعة عشر من الباطنية فذكر أن مسعودا ما علم بهم وقيل بل علم بهم وقيل بل هو الذى دسهم فهجموا على الخليفة في خيمته ففتكوا به وقتلوا جماعة من أصحابه فما شعر بهم العسكر إلا وقد فرغوا من شغلهم فأخذوهم وقتلوهم إلى لعنة الله وجلس السلطان للعزاء واظهر المساءة بذلك ووقع النحيب والبكاء وجاء الخبر إلى بغداد فاشتد ذلك على الناس وخرجوا حفاة مخرقين الثياب والنساء ناشرات الشعور يلطمن ويقلن المراثى لأن المسترشد كان محببا فيهم ببره ولما فيه من الشجاعة والعدل والرفق بهم وكان قتل المسترشد رحمه الله بمراغة يوم الخميس سادس عشر ذى القعدة سنة تسع وعشرين ومن شعره أنا الأشقر المدعو في الملاحممن يملك الدنيا بغير مزاحم ستبلغ أرض الروم خيلى وتنتضىبأقصى بلاد الصين بيض صوارمى ومن شعره لما أسر ولاعجبا للاسد إن ظفرت بها كلاب الاعادي من فصيح وأعجم فحربة وحشى سقت حمزة الردى وموت علي من حسام ابن ملجم وله لما كسر وأشير عليه بالهزيمة فلم يفعل وثبت حتى أسر قالوا تقيم وقد أحا ط بك العدو ولا تفر فأجبتهم المرء ما لم يتعظ بالوعظ غر لانلت خيرا ما حييت ولاعداني الدهر شر إن كنت أعلم أن غير الله ينفع أو يضر قال الذهبي وقد خطب بالناس يوم عيد أضحى فقال الله أكبر ما سبحت الأنواء وأشرق الضياء وطلعت ذكاء وعلت على الأرض السماء الله أكبر همي سحاب ولمع سراب وانجح طلاب وسر قادما إياب وذكر خطبة بليغة ثم جلس ثم قام فخطب وقال اللهم أصلحني في ذريتي وأعني على ما وليتني وأوزعني شكر نعمتك ووفقني وانصرني فلما أنهاها وتهيأ للنزول بدره أبو المظفر الهاشمي فأنشده عليك سلام الله ياخير من علا على منبر قد حف أعلامه النصر وأفضل من أم الأنام وعمهم بسريته الحسنى وكان له الأمر وأفضل أهل الأرض شرقا ومغربا ومن جده من أجله نزل القطر لقد شنفت أسماعنا منك خطبة وموعظة فصل يلين لها الصخر ملأت بها كل القلوب مهابة فقد رجفت من خوف تخويفها مصر وزدت بها عدنان مجدا مؤثلا فأضحى بها بين الأنام لك الفخر وسدت بني العباس حتى لقد غدا يباهي بك السجاد والعالم البحر وفلله عصر أنت فيه إمامنا ولله دين أنت فيه لنا الصدر بقيت على الأيام والملك كلما تقادم عصر أنت فيه أتى عصر واصبحت بالعيد السعيد مهنأ تشرفنا فيه صلاتك والنحر وقال وزيرة جلال الدين الحسن بن علي بن صدقة يمدحه وجدت الورى كالماء طعما ورقة وأن أمير المؤمنين زلالة وصورت معنى العقل شخصا مصورا وأن أمير المؤمنين مثاله ولولا مكان الدين والشرع والتقى لقلت من الإعظام جل جلاله وفي سنة اربع وعشرين من ايامه ارتفع سحاب أمطر بلد الموصل نارا أحرقت من البلد مواضع ودورا كثيرة وفيها قتل صاحب مصر الآمر بأحكام الله منصور عن غير عقب وقام بعده ابن عمه الحافظ عبدالمجيد بن محمد بن المنتصر وفيها ظهر ببغداد عقارب طيارة لها شوكتان وخاف الناس منها وقد قتلت جماعة أطفال وممن مات في ايام المسترشد من الأعلام شمس الأئمة أبو الفضل إمام الحنفية وأبو الوفاء بن عقيل الحنبلي وقاضي القضاة أبو الحسن الدمغاني وابن بليمة المقرئ والطغرائي صاحب لامية العجم وأبوعلي الصدفي الحافظ وأبو نصر القشيري وابن القطاع اللغوي ومحي السنة البغوي وابن الفحام المقرئ والحريري صاحب المقامات والميداني صاحب الأمثال وأبو الوليد بن رشد المالكي والإمام أبو بكر الطرطوشي وأبو الحجاج السرقسطي وابن السيد البطليوسي وأبو علي الفارقي من الشافعية وابن الطراوة النحوي وابن الباذش وظافر الحداد الشاعر وعبدالغفار الفارسي وخلائق آخرون